* قال اللَّه تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} الماعون: ٧.
ذكَر اللَّهُ حَبْسَ النفقةِ عن أهلِها بعدَما ذكَر الغَفْلةَ عن الصلاةِ، فجعَلَ حَبْسَ النفقةِ صفةً للغافِلِينَ عن صلاتِهم الساهِينَ عنها؛ وذلك أنَّ كمالَ الصلاةِ علامةٌ على قوةِ الإيمانِ بالآخِرةِ، ومَن قَوِيَ إيمانُه بالآخرةِ، انبسطَت يدُهُ بالصدقةِ، لعِمَارةِ آخِرتِه، وقدَّم لها ما ينتظرُهُ فيها مِن أجرٍ، ومَن ضعُفَتْ صلاتُه، ضعُف إيمانُه، وانقبَضَت يدُهُ عن الصدقةِ بمقدارِ ضَعْفِ إيمانِه؛ فإنَّ الإنسانَ في الدُّنيا يَعْمُرُ بيوتَها بمقدارِ أَمَلِه بالبقاءِ فيها، فتجدُهُ لا يعمُرُ بيتًا في بلدٍ يعبُرُها مسافرًا، وكلَّما كان يقينُهُ بالبقاءِ فيها أطوَلَ، كانتْ عمارتُهُ لها أشَدَّ.
وقوله تعالى: {الْمَاعُونَ} على وزن (فَاعُول)؛ مشتقٌّ مِن المَعْنِ، وهو الشيءُ القليلُ اليسير؛ فكلُّ ما يحتاج إلبه الناسُ ويُعِينُهم في استمتاعِهم يُسمَّى ماعونًا، ثمَّ غلَبَ استعمالُهُ على الآنيَةِ؛ لأنَّها أغلبُ ما ينتفِعُ به الناسُ في الطعامِ والشرابِ (١). ومِن السلفِ: مَن حمَلَ قَولَه: {الْمَاعُونَ} في الآيةِ على منعِ كلِّ خيرٍ ولو كان نفقةَ دِرْهَمٍ ودِينارٍ.
بل مِن السلفِ: مَن حمَلَهُ على إعانةِ الناسِ بمهنتِهم إنْ طلَبُوا عَوْنًا.
ومِن هنا تنوَّعُ كلامُ السلفِ في تفسيرِ الماعونِ في الآيةِ:
فمنهم: مَن قال: هي الزكاةُ؛ كعليٍّ وابنِ عمرَ ومجاهدٍ وابنِ الحَنَفِيَّةِ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ والحسنِ والزُّهْريِّ (٢).
ومنهم: مَن قال: هو القِدْرُ والدَّلْوُ الفأسُ وما في حُكْمِه مِن
(١) انظر: "الصحاح" للجوهري، و"لسان العرب"، و"تاج العروس"، مادَّة (م ع ن).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٦٦٦ - ٦٧٠)، و"تفسير ابن كثير" (٨/ ٤٩٥).