قالوا: ومِثلُهُ مَن شَهِدَ رمضانَ وهو مكلَّفٌ؛ كمَن به جنونٌ حتى بَقِيَ مِن الشهرِ يومٌ، قالوا: يجبُ عليه قضاؤُه.
قالوا: ومَن خرَجَ الشهرُ وهو مجنونٌ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، ثمَّ أفاقَ: لا يجبُ عليه شيءٌ؛ لأنَّه لم يَشْهَدْهُ.
فمَن كان مِن أهلِ التكليفِ قبلَ رمضانَ، ثمَّ جُنَّ في رمضانَ، وأفاقَ بعدَهُ، يجبُ عليه القضاءُ بكلِّ حالٍ؛ وهذا الذي عليه فُتيا السَّلَفِ، وقد حكاهُ ابنُ جريرٍ إجماعًا (١).
فالتكليفُ لا يرتبِطُ بشهودِ شيءٍ مِن الشهرِ؛ أوَّلَهُ أو آخِرَهُ؛ فالآيةُ تقصدُ الخطابَ بالتكليفِ أداءً لا قضاءً، والآيةُ ناسخةٌ للتخييرِ الذي كان عليه أمرُ الصومِ قبلَ ذلك، لا أنَّها مشرِّعةٌ تشريعًا ابتدائيًّا بلا علمٍ سابقٍ، فالصحابةُ يَعلَمونَ تشريعَ الصومِ وحالَهُ، والخطابُ إنَّما هو بالإلزامِ به لمَنْ شَهِدَهُ، ورُخِّصَ لأهلِ العذرِ بفِطْرِه.
صومُ المريضِ:
وقولُه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}:
والمرضُ الذي يَعجِزُ معه الإنسانُ عن الصومِ، أو يشُقُّ عليه مشقَّةً تُؤْذِيهِ، أو تُرجِئُ عنه الشفاءَ، فضلًا عن المرضِ الذي يخافُ معه على نفسِه؛ فكلُّ ذلك يجوزُ للإنسانِ أن يُفطِرَ لِأَجْلِه، ولا خلافَ عندَ السلفِ في ذلك.
حدود المرضِ المجيزِ للفطرِ:
وإنَّما يختلِفونَ في حدِّ المرضِ ووصفِهِ الذي يُوجِبُ الفِطْرَ؛ قال الحسَنُ والنَّخَعيُّ: "إذا لم يَستطِعِ المريضُ أن يصلِّيَ قائمًا، أفطَرَ" (٢).
وقد قيّده أحمد بعدم الاستطاعة، فقيل له: مثل الحمى؟ قال: وأي
(١) ينظر: "تفسير الطبري" (٣/ ١٩٨ - ١٩٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٠٢).