مرض أشد من الحمى؟ ! قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} البقرة: ١٨٤ (١).
روى الربيعُ، عن الشافعيِّ: "أنَّه كلُّ مرضٍ كان الأغلبُ مِن أمرِ صاحبِهِ بالصومِ الزيادةَ في عِلَّتِهِ زيادةً غيرَ مُحتمَلةٍ" (٢).
ومرادُهُ: المرضُ الذي يُصيبُ عمومَ بدَنِهِ، فيُعجِزُهُ عن القيامِ، ولا يدخُلُ في هذا مرضُ القَدَمِ اللازمُ الذي لا يُؤذي بقيَّةَ البدنِ؛ مِن كسرٍ أو بترٍ دائمٍ لِقَدَمٍ يستطيعُ معه الإنسانُ الصومَ؛ فهذا مرضٌ للقَدَمِ، لا مرضٌ للبدَنِ ينتشِرُ في الجسمِ أذاهُ.
حكمُ صومِ المسافرِ:
وعامَّةُ السلفِ - وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ -: أنَّ مَن صام وهو مسافِرٌ، انعقَدَ صيامُهُ.
ورُوِيَ عن بعضِ السلفِ: عدَمُ جوازِ الصيامِ في السفرِ وعدَمُ انعقادِه؛ وهذا يخالِفُ ظاهرَ القرآنِ والسُّنَّةِ.
وخالَفَ في هذا قِلَّةٌ من الصحابةِ، وفي صِحَّتِهِ وصراحتِهِ عن مجموعِهم نظَرٌ.
ومَن غلَبَ على ظَنِّهِ الأذى وشدةُ المشقَّةِ، كُرِهَ أو حَرُمَ عليه الصومُ؛ قال أبو سعيدٍ مَوْلى المَهْريِّ: "قَدِمْتُ مِن العمرةِ ومعي صَحْبٌ لي، فنَزَلْنا عندَ أبي هُرَيْرةَ - عليه رضوانُ اللهِ تعالى - بأرضِهِ، فأصبَحْنا مُفطِرِينَ إلا صاحبًا لنا، فجاء أبو هريرةَ - عليه رضوانُ اللهِ تعالى - في نصفِ النهارِ، ورأى صاحِبَنا يلتمِسُ بَرْدَ النَّخْلِ، فقال: ما بالُ صاحبِكم؟ قُلْنا: إنه صائمٌ، فقال أبو هريرةَ - عليه رضوانُ اللهِ تعالى -: "أمَا يَعْلَمُ أنَّها رخصةٌ مِن اللهِ؟ ! لو مات، ما صَلَّيْتُ عليه" (٣).
(١) مسائل صالح (٢٧٤)، ومسائل أبي داود (١٣٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٠٢).
(٣) أخرجه البوصيري في "إتحاف الخيرة" (٢٣٢٢) (٣/ ١١٤)، وابن حجر في "المطالب العالية" (١٠٣٨) (٦/ ٨٨).