وهو صحيحٌ عنه.
ولا يُؤخَدُ منه وجوبُ الفِطْرِ؛ لأنَّ أبا هريرةَ قاله في حقِّ مَن قتَلَ نفسَهُ من الجوعِ.
قال ابنُ المُنذِرِ - عليه رحمةُ اللهِ -: "ورُوِيَ هذا عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ أنه قال: "مَنْ صام في السَّفَرِ، قضَاهُ"، ورُوِيَ نحوُهُ عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، ورُوِيَ عن عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، عليه رضوانُ اللهِ تعالى أنَّه قال: "الصَّوْمُ في السَّفَرِ كالفِطْرِ في الحَضَرِ"، ورُوِيَ هذا عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ وابنِ شِهَابٍ الزُّهْريِّ وغيرِهما" (١).
ومنَعَ غيرُ واحدٍ من الظاهريَّةِ مِن الصومِ في السفرِ.
واختلَفَ الأئمَّةُ الأربعةُ في التفاضُلِ بينَ الصومِ والفِطْرِ في السفرِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
١ - ذهَبَ جمهورُ العلماءِ، وهو قولُ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ: إلى أنه يجوزُ الترخُّصُ بالفطرِ في السفرِ، إلا أنَّ الصومَ أفضلُ.
٢ - وذهَبَ أحمدُ في المشهورِ عنه: إلى أنَّ الرُّخْصةَ للصائمِ أن يُفطِرَ في السفرِ إلا أنَّ الفطرَ أفضلُ؛ وهذا مرويٌّ عن عبدِ اللهِ بن عمرَ؛ فقد روى نافعٌ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ؛ أنه قال: "إنِّي أُحِبُّ أن أُفطِرَ في السفرِ، وألَّا أصومَ" (٢).
٣ - ورُوِيَ عن أحمدَ روايةٌ أخرى، وهو قولُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، وقال به ابنُ المنذرِ: أنَّ الأمرَ مبنيٌّ على السَّعَةِ والقُدْرة؛ فإن استطاعَ الإنسانُ أن يصومَ بلا مشقَّةٍ، كان الصيامُ أفضَلَ، وإنْ كان ثَمَّةَ مشقَّةٌ،
(١) ينظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (٣/ ١٤٢).
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٢٥) (١/ ٢٩٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٤١٣) (رقم ٨١٧٢١).