لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}؛ يَعني: القرآنَ فيما تضمَّنَهُ مِن أحكامٍ، ومنها أحكامُ الصيامِ، فالمكبِّرُ يعظِّمُ اللهَ ويَحمَدُهُ على تلك الهدايةِ التي دلَّه اللهُ إليها بكتابِه، ويُعظِّمُهُ ويحمَدُهُ في ختامِ الشهرِ على أنْ هداهُ هدايةَ توفيقٍ للصيام وإكمالِ العِدَّةِ؛ وهذا كقولِ أهلِ الجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} الأعراف: ٤٣؛ فالحمدُ والتعظيمُ في خاتِمَةِ الأعمالِ يكونُ للهدايةِ بنَوْعَيْها.
وأَتَمُّ أنواعِ الشُّكْرِ: شُكْرُ المنعِمِ قبلَ العبادةِ ومعَها وبعدَ تمامِها، وعدَمُ نقضِ الشكرِ بعدَ ذلك بكُفْرٍ.
* * *
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة: ١٨٦.
بعدَ أنْ ذكَرَ اللهُ أحكامَ الصيامِ للناسِ، عطفَ عليها بالواوِ خطابًا خاصًّا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ مِن بابِ تعظيمِ المُرسِلِ للرسولِ، وأنَّ العملَ بالأحكامِ السابقةِ له جزاءٌ يتحرَّاهُ كلُّ عاملٍ؛ فأجاب اللهُ عن السؤالِ الذي يَرِدُ في ذِهنِ العاملِيِنَ، وأنَّ اللهَ يَطَّلِعُ على العملِ عن قُرْبٍ، ويُحْصِيهِ قليلَهُ وكثيرَهُ، ويُجازي عليه.
والإجابةُ مقابِلةٌ للدعاءِ في الآيةِ، والدعاءُ محمولٌ على النوعَيْنِ:
الأوَّل: دعاءُ العبادةِ، والمرادُ به: الصيامُ وما يتعلَّقُ به مِن أعمالِ بِرٍّ مِنْ قراءةِ القرآنِ والصلاةِ، والصَّدَقةِ والذِّكْرِ، والإجابةُ هنا القَبُولُ للمُخْلِصِ الصادقِ المُتَّبِعِ بالثوابِ العظيمِ عندَ اللهِ سبحانَهُ.
وشرطُ القَبُولِ والإثابةِ على العملِ الصالحِ: هو العملُ بأمرِ اللهِ كما أرادَ اللهُ؛ وذلك لقولِه: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}، والاستجابةُ للهِ طاعتُهُ؛ بامتثالِ