فأمَّا صيامُ الأيَّامِ الثلاثةِ في الحَجِّ: فوقتُها منذُ بدايتِهِ بالإهلالِ إلى يومِ عَرَفةَ، يصومُ أيَّ وقتٍ شاء؛ مجتمِعًا أو مفرَّقًا، ومَن عجَزَ أو نَسِيَ صيامَها قبل يومِ عَرَفةَ، جازَ أنْ يصومَ أيَّامَ التشريقِ.
روى مالكٌ، عن عائشةَ؛ أنَّها كانت تقولُ: "الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، لِمَنْ لم يَجِدْهَا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَمَنْ لم يَصُمْهُ، صَامَ أَيَّامَ مِنًى" (١).
ورُوِيَ هذا عنِ ابنِ عُمَرَ، وابنِ عبَّاسٍ، وعِكْرِمةَ والحسَنِ وعَطَاءٍ وطاوسٍ.
ولطاوسٍ وعطاءٍ قولٌ آخَرُ: أنَّه يصومُها في العَشْرِ الأُوَلِ من ذي الحِجَّةِ، وآخِرُها عرَفةُ (٢).
ورُوِيَ عن عُبَيدِ بنِ عُمَيْرٍ وعُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ صيامُها في أيَّامِ التشريقِ (٣).
ولا بأسَ بتفريقِها وصيامِ شيءٍ منها في شَوَّالٍ؛ وهو قولُ مجاهِدٍ وطاوُسٍ (٤)؛ لأنَّ شوَّالًا مِن أشهُرِ الحجِّ، وفيه يبدأُ إحرامَهُ للحجِّ إنْ تعجَّلَهُ.
ويَظهَرُ أنه لو صامَها قبلَ عَرَفةَ، فهو أفضَلُ؛ لأنَّ النُّسُكَ بحاجةٍ إلى قوَّةٍ وجَلَادةٍ لأداءِ الشعائرِ، واجتهادٍ في الدعاءِ؛ ولذا لم يَصُمِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعامَّةُ أصحابِه في الحجِّ في يومِ عَرَفَةَ مع فضلِ صيامِه، وأنَّه يكفِّرُ سنةً ماضيةً وسنةً مستقبَلةً؛ لأنَّ الدعاءَ في عَرَفةَ والاجتهادَ فيه كما اجتهَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أفضَلُ مِن صيامِ عَرَفةَ؛ لأنَّ المرجُوَّ المغفرةُ، وأسبابُها بالدعاءِ في هذا اليومِ أقوى مِن الصيامِ، فربَّما صامَ الحاجُّ ولم يَجِدْ قُوَّةً على الاجتهادِ في الدعاءِ وطولِ الوقوفِ يومَ عَرَفةَ مِنَ الجوعِ والعَطَشِ؛ فيفوتُهُ فضلٌ كبير.
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٢).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٢).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٢).
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٣).