وهو محمولٌ على كلِّ مانعٍ مِن الوصولِ إلى البيتِ ولو مرَضًا، وكلِّ مانعٍ مِن إتمامِ الحجِّ كما شرَع اللهُ ممَّا دُونَ الحَبْسِ والإحصارِ.
فقَد روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن إبراهِيمَ، عن عَلْقَمةَ؛ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}؛ يقولُ: "إِذَا بَرَأَ فَمَضَى مِنْ وَجْهِهِ ذلك حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيْتَ، حَلَّ مِنْ حَجِّهِ بِعُمْرَةٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ, فَإِنْ هُوَ رَجَعَ وَلَمْ يُتِمَّ إلَى الْبَيْتِ مِن وَجْهِهِ ذلك، كَانَ عَلَيهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ؛ لِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَذَكَرْتُ ذلك لِسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: هَكَذَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا كُلِّهِ" (١).
وذكَرَ التمتُّعَ في الآيةِ: {أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}؛ لأنَّه هو ما كان عليهِ عمَلُهم، فغالِبُ عَمَل النبيِّ والصحابةِ إمَّا كانوا قارِنينَ أو متمتِّعينَ، وكلُّ ذلك يسمَّى مُتْعةً؛ لأنَّه جَمْعٌ بينَ الحجِّ والعُمْرةِ في أشهُرِ الحجِّ.
ثمَّ إنَّ ذلك هو النُّسُكُ (التمتُّعُ والقِرانُ) الذي يجِبُ معه الهَدْيُ، بخلافِ الإفرادِ؛ فالهَدْيُ فيه مستحَبٌّ غيرُ واجبٍ.
وقد استدل أحمد بهذه الآية على أن السفر يقطع التمتع، فقد سئل عن الرجل يدخل مكة متمتعًا ثم يخرج لسفر؟ قال: إنما المتمتع الذي يقيم للحج، فإن لم يقم للحج فليس بمتمتع قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (٢).
حكمُ العاجزِ عنِ الهدي الواجبِ:
قولُه: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}:
ومن كان عاجزًا عن دمِ الهَدْيِ الواجِبِ على المتمتِّعِ، أو الواجِبِ على مَن أُصِيبَ بِأَذًى ممَّنْ وقَعَ في محظورٍ، فعليه أَنْ يصومَ بدلًا عن الهَدْيِ الذي عجَزَ عنه ثلاثةَ أيَّامٍ في حَجِّهِ، وسبعةً إذا رجَع إلى أهلِه؛ ومجموعُها عَشَرةٌ كامِلةٌ.
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٠). وينظر: "تفسير الطبري" (٣/ ٤١٣).
(٢) مسائل ابن هاني (١/ ١٥١)، ومسائل ابن منصور (١/ ٥٢٦).