لأنَّ الآيةَ ظاهِرةٌ في أنَّها ثلاثةُ أيامٍ بعدَ يومِ النحرِ؛ فلا خلافَ عندَ العلماءِ أنَّ التعجُّلَ يكونُ في اليومِ الثانيَ عشَرَ، وهو ثاني أيامِ التشريقِ بعدَ يومِ النحرِ، وأنَّ التأخُّرَ إنَّما هو في اليومِ الثالثِ.
والمعدوداتُ هنَّ المعلوماتُ التي ذكَرَها اللهُ في سورة الحجِّ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} الحج: ٢٨، وذِكْرُ اللهِ شكرٌ لِنِعَمِهِ، ومنها بهيمةُ الأنعامِ المنحورةُ والمطعومةُ في مِثْلِ هذه الأيامِ؛ لهذا كانت أيامُ التشريقِ أيامَ أَكْلٍ وشربٍ، وجاء النهيُ عن صومِها للحاجِّ وغيرِه، إلا لمَنْ لم يَجِدِ الهَدْيَ مِنَ المتمتِّعِ والقارِنِ، وفاتَهُ الصومُ قبلَ عَرَفةَ، فيصومُها أيامَ التشريقِ ثلاثةَ أيامٍ، وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِهِ.
وأفضلُ الذِّكْرِ أيامَ التشريقِ هو التكبيرُ، يكبِّرُ الناسُ مطلَقًا في كلِّ حِينٍ، وخاصَّةً أدبارَ الصلواتِ، بَدْءًا مِن صلاةِ الفجرِ يومَ عَرَفةَ حتى صلاةِ العصرِ مِن آخِرِ أيامِ التشريقِ، وهو الثالثَ عشرَ مِن ذي الحِجَّةِ.
ويُستحَبُّ التكبيرُ في مواضعِ الصلاةِ في المسجدِ؛ كما رواهُ عمرُو بنُ دِينارٍ، عن ابنِ عباسٍ، ورواهُ الحَكَمُ، عن عِكْرِمةَ؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ وغيرُه (١).
ويكبِّرُ الحاجُّ وغيرُ الحاجِّ فيها كذلك في المساجدِ والأسواقِ؛ صحَّ هذا عن عمرَ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عمرَ، وأبي هريرةَ، وغيرِهم مِن السَّلَفِ؛ فقد كان عمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - يكبِّرُ في قُبَّتِهِ، فيكبِّرُ أهلُ السوقِ بتكبيرِهِ؛ حتى ترتجَّ مِنًى تكبيرًا (٢).
وقولُه تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٦٠).
(٢) ينظر: "أخبار مكة" للفاكهي (٤/ ٢٥٩)، و"تفسير ابن كثير" (١/ ٥٦١).