وليس فيها دليلٌ على إعطاءِ مَنْ تجبُ نفقتُهُ مِنَ الزكاةِ كالوالدَيْنِ والأولادِ؛ فهذه الآيةُ نزلَتْ فيَ نزولِ سورةِ التوبةِ التي بها تعيينُ مصارفِ الزكاةِ وأهلِها، ومَنْ تجبُ على الإنسانِ نفقتُهُ لا يجوزُ أن يُعطِيَهُ نفقتَهُ مِن زكاةِ مالِهِ بالانِّفاقِ، ومَنْ لا تجبُ عليه نفقتُهُ ولا يرتدُّ إليه نفعُ زكاتِهِ كانتفاعِ الزوجةِ بزكاةِ مالِها لزوجِها، فاتَّفَقُوا أنَّ مَنْ لم تكنْ حالُهُ كذلك، فإنَّه يجوزُ أنْ يُعطَى مِن الزكاةِ.
وإنَّما يختلِفُ العلماءُ في منع الزكاةِ؛ لاختلافِهم فيمَنْ تجبُ النفقةُ عليهم مع القُدْرةِ عليها؛ فهذه المسألةُ فرعٌ عن تلك غالبًا، وخلاصةُ ذلك: أنَّ ما اتَّفَقَ العلماءُ على أنَّه تجبُ نفقتُهُ على الإنسانِ: أنَّه لا يُعطَى نفقةً مِن زكاةِ مالِهِ، واتَّفَقُوا على الوالدَيْنِ والأولادِ في أمرِ النفقةِ؛ كما حكى إجماعَهم ابنُ المُنذِرِ، وأبو عُبيدِ القاسمُ بنُ سَلَّامٍ.
وهذا الذي عليه الصحابةُ؛ كعليٍّ وابنِ عباسٍ، ولا مخالِفَ لهما مِن الصحابةِ.
فقد روى البيهقيُّ في "سُنَنِهِ"، عن عبدِ اللهِ بنِ المختارِ، عن عليٍّ؛ قال: "لَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَالِدٍ حَقٌّ فِي صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ، وَمَن كَان لَهُ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ فَلَم يَصِلْهُ، فَهُوَ عَاقٌّ" (١).
وروى أبو عُبَيْدٍ وعبدُ الرَّزَّاقِ، عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ: "لَا بَأْسَ بأَنْ تَضَعَ زَكَاتَكَ فِي مَوْضِعِها، إذَا لم تُعْطِ مِنهَا أَحَدًا تَعُولُهُ أَنْتَ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ" (٢).
واختَلفُوا في غيرِ النَّفقةِ على مَنْ تجبُ نفقتُهُ؛ كأنْ يكونَ أحدُ
(١) "السنن الكبرى" للبيهقي (٧/ ٢٨).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٧١٦٣) (٤/ ١١٢)، وأبو عبيد في "الأموال" (ص ٦٨٣).