وقال عطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ بعدَمِ النَّسْخِ، وكان يَحلِفُ عليه؛ كما رواه ابنُ جُرَيْجٍ عنه؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ بسَنَدٍ صحيحٍ (١).
وقد تقدَّمَ الكلامُ على هذه المسألةِ.
وبيَّن اللهُ سببَ قتالِ المُشرِكِينَ للمسلِمِينَ بقولِهِ: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}؛ لِيَفْتِنُوهم عن دينِهم؛ ليَرْتَدُّوا طمَعًا في الأمنِ، وترهيبًا لِمَن يُرِيدُ اللَّحَاقَ بهم.
معنى الرِّدَّة:
والرِّدَّةُ هي الرجوعُ عنِ الحقِّ إلى ما كان عليه مِن الباطلِ، وغلَبَ استعمالُها على ذلك؛ لأمرَيْنِ:
أوَّلًا: لمَّا كان كفَّارُ قريشٍ يُرِيدُونَ رَدَّ مَنْ أسلَمَ مِن الصحابةِ إلى ما كانوا عليه مِن الشِّرْكِ، سُمِّيَتْ رِدَّةً؛ يَعني: رجوعًا إلى الأمرِ السابقِ.
ثانيًا: أنَّ المعروفَ فيمَن نشَأَ على الإيمانِ الحقِّ ووُلِدَ عليه: أنَّه لا يخرُجُ منه، ومِقْدارُ مَن يرتدُّ عن الإِسلامِ بعد النشأةِ عليه أقلُّ ممَّن يرتدُّ عن الإسلامِ ممَّن كان على الشِّرْكِ قبلَ ذلك بالنِّسْبةِ للأمَّةِ التي خرَجوا منها؛ ولذا يُخافُ على حديثِ العهدِ بالكُفْرِ مِن الخروجِ عن الإسلامِ أكثرَ ممَّن نشَأَ على الإسلامِ ولا يَعرِفُ الكفرَ؛ لأنَّ الإيمانَ امتزَجَ بقوَّةِ الفِطْرةِ، فتمكَّنَ الحقُّ منها ورسَخَ، وأَمَّا غيرُهُ فعلى فِطْرةٍ مبدَّلةٍ، مع دِينٍ صحيحٍ طارئٍ.
فأصبحَتِ الرِّدَّةُ تُطلَقُ عَلَى كلِّ خارجٍ عن الإسلامِ إلى الكفرِ، ولو لم يكُنْ على الكُفْرِ مِن قَبْلُ.
وفي الآيةِ: قوَّةُ بأسِ أهلِ الباطلِ على باطلِهم معَ جَلَائِهِ ووُضُوحِه،
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٦٦٣).