في صورةِ إيلاءٍ؛ لأنَّ اللَّهَ قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}؛ أيْ: بعدَ الأربعةِ الأشهُرِ، لا قبلَها، فالطلاقُ لم يكن عليه العَزْمُ إلَّا بعد انقضاءِ الأجَلِ.
والفاءُ في قولِه: {فَإِنْ فَاءُوا} , وعطفُ عزمِ الطلاقِ على الفيءِ في قولِه: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}: دليلٌ على عدمِ تبييتِ عزمِ الطلاقِ قبلُ، وعطفُ عزمِ الطلاقِ والفيءِ؛ لكونِهما في زمنٍ واحدٍ بعدَ الأجلِ، ويخيَّرُ بينَهما الزوجُ، والفاءُ جوابٌ للشرطِ وما هو في معنى الشرطِ.
* * *
قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة: ٢٢٨.
الطلاقُ: مأخوذٌ مِن الإطلاقِ بعدَ قَيْدٍ، وهو الفَكُّ والحَلُّ بعدَ عقدٍ؛ فعِصْمةُ المرأةِ مقيَّدةٌ بيدِ زَوْجِها، وأمرُها في حقِّها بالاستمتاعِ ينفسِها معقودٌ بزَوْجِها، وفَكُّ القيدِ وحَلُّ العَقدِ هو الطلاقُ في الشريعةِ.
طلاق الجاهلية
وكان الرَّجُلُ في الجاهليَّةِ إذا أرادَ طلاقَ امرأتِهِ، قالَ لها: "اذْهَبِي؛ فلا أَنْدَهُ سَرْبَكِ"؛ ومعنى دلك: لا أَرُدُّ إِبِلَكِ الذَّاهِبَةَ في سَرْبِها، بل أترُكُها لتذهَبَ حيثُ شاءَتْ.
ويطلِّقونَ كذلك بقولِهم: "حَبْلُكِ على غَارِبِكِ".
وربَّما طَلَّقَتِ المرأةُ في الجاهليَّةِ زَوْجَها إذا غابَ عنها؛ تقومُ بتحويلِ باب بيتِها إلى جهةٍ أخرى فتطلُقُ منه؛ كما ذكرَهُ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ.
والتربُّصُ هو الانتظارُ، وإنَّما جُعِلَ بصيغةِ الخبرِ والمرادُ به الأمرُ؛