كما في قولِه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} البقرة: ٢٣٣، وإنَّما جعَلَ اللهُ ذلك لَهُنَّ وبأنفُسِهِنَّ؛ لأنَّ الرَّجُلَ لا يَعْتَدُّ بطلاقِ امرأتِهِ، إلَّا الرابعةَ منهُنَّ، فيعتدُّ معها حتَّى تخرُجَ مِن عِدَّتِها، فيتزوَّجَ غيرَها؛ حتَّى لا يأخُذَ خامسةً والرابعةُ زوجةٌ له ما دامَتْ في العِدَّةِ.
والقولُ قولُ المرأةِ ما دامَتْ ثقةً في دِينِها في بَدْءِ حَيْضِها وانتهائِه؛ لأنَّ هذا الأمرَ لا يُعلَمُ إلَّا بِها، وهي مستأمَنَةٌ عليه، وعلى ما في بَطْنِها لو كانت حاملًا مِن زوجِها؛ أن تُخبِرَ بذلك ولو كرِهَتْهُ؛ حتَّى لا تَختلِطَ الأنسابُ، وعِدَّةُ الحاملِ غيرُ عِدَّةِ غيرِها، فلا يَحِلُّ لها كتمانُ ما في بطنِها مِنْ حَمْلٍ، أو طُهْرٍ أو حَيْضٍ؛ استعجالًا لخروجِها مِنْ عِصْمةِ زَوْجِها.
والقولُ قولُها ما لم تُخبِرْ بمُحَالٍ أو أمرٍ بعيدٍ؛ كحيضِها في مُدَّةٍ لا تحيضُ النِّسَاءُ فيها، قال ابنُ المُنذِرِ: "وقال كلُّ مَن حَفِظْتُ عنه مِن أهلِ العِلْمِ: إذا قالَتِ المرأةُ في عَشَرةِ أيَّامٍ: قد حِضْتُ ثلاثَ حِيَضٍ، وانقضَتْ عِدَّتِي: إنَّها لا تصدَّقُ، ولا يُقبَلُ ذلك منها" (١).
ولو قالَتْ: إنَّها حاضَتْ ثلاثًا في شهرٍ، وكان عادةُ نِسائِها ذلك، صُدِّقَتْ، وقد قَضَى به شُرَيْحٌ، وصَدَّقَهُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وقال به مالكٌ.
وقال أبو حنيفةَ والشافعيُّ: لا تصدَّقُ في أقلَّ مِن السِّتينَ يومًا (٢).
والآيةُ في عِدَّةِ المرأةِ مِن زَوْجِها، والأصلُ في الحِكْمةِ مِن مشروعيَّةِ عِدَدِ الأزواجِ: استبراءُ الرَّحِمِ، إلَّا عِدَّةَ الوفاةِ؛ فقد جعلَهَا اللهُ عبادةً تَشمَلُ الاستِبْراءَ، وتعظيمَ حقِّ الزوجِ، وغيرَ ذلك.
والمقصودُ بالمطلَّقاتِ في الآيةِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ
(١) "المجموع" (١٨/ ١٩٩).
(٢) المرجع السابق.