وقولُ الجمهورِ أرجَحُ وأصحُّ، وأمَّا العقدُ، فلا يَصِحُّ ويُعادُ؛ لظاهرِ قولِه: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}.
ولأنَّ الأمرَ يخُصُّ النفوسَ وأعمالَ الأفرادِ الضيِّقةَ، لا أعمالَ الأُمَّةِ العامَّةَ؛ خوَّف اللهُ بسَعَةِ عِلْمِهِ واطِّلاعِهِ على ما في النفوسِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}؛ فتذكيرُ اللهِ بِسَعَةِ عِلْمِهِ إيقاظٌ لِجَذْوةِ الخوفِ في القلبِ؛ حتَّى لا تُطْفِئَها الشهوةُ وطمَعُ النفسِ.
ثمَّ حذَّر اللهُ مِن نفسِهِ بالأمرِ، وذكَّر عبادَهُ بِاسْمَيْنِ يجبُ أن يتوسَّطَ بينَهما العبدُ، فاللهُ غفورٌ لمن وقَعَ في زَلَّةٍ، فلا يَقنَطُ، فذكَّر باسمِهِ (الغفورِ)، واللهُ يُعاقِبُ المسيءَ، ولكنْ قد يؤخِّرُ عقابَهُ، فلا يَظُنُّ المذنِبُ أنَّ تأخُّرَ العقوبةِ عفوٌ وصفحٌ، بل حِلْمٌ مِن اللهِ، فذكَّر اللهُ باسمِهِ (الحليمِ).
* * *
قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} البقرة: ٢٣٦.
لا خلافَ في جوازِ تسريحِ المرأةِ قبلَ مَسِّها؛ ولذا رتَّب اللهُ الأحكامَ على الطلاقِ ولم يذكُرْهُ بشيءٍ.
حكمُ طلاقِ المرأةِ قبلَ الدخول بِها:
والمراد إمَّا أن تطلَّقَ قبلَ الدخولِ بها، وإمَّا بَعْدَه، وتقدَّم الكلامُ على أحكامِ الطلاقِ للمرأةِ المدخولِ بها وأحوالِه، وإنَّما قُدِّمَتْ أحكامُ المدخولِ بها؛ لأنَّ الحاجةَ لها أظهَرُ، والبلوى بها أعمُّ، والمرأةُ تطلَّقُ بعدَ الدخولِ أكثرَ.