وأمَّا المطلَّقةُ قبلَ الدخولِ، فهي المبيَّنةُ هنا في هذه الآيةِ.
وقولُهُ تعالى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}؛ المَسُّ هنا: الوَطْءُ والنِّكَاحُ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ وطاوسٌ والنَّخَعيُّ والحسَنُ البصريُّ (١).
وقولُه: {تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا} فيه إشارةٌ إلى أنَّ فرضَ المهرِ ابتداءً يكونُ مِن قِبَلِ الزوجِ؛ حيثُ جعَلَ المسَّ والفرضَ مِن الزوجِ، يبادِرُ بهما، لا تبادِرُ بهما المرأةُ، فكأنَّ في الآيةِ تيسيرًا على الأزواجِ أَنْ تَترُكَ الزوجةُ والأولياءُ فرضَ المهرِ للزوجِ فلا يشقُّ عليه، فيأتي مِن وُسْعِهِ وقُدْرَتِه، فلا يُفرَضُ عليه؛ وإنَّما يُترَكُ الفرضُ له ابتداءً، ولهم بعدَ ذلك القبولُ أو الرفضُ.
والمرادُ بالآيةِ الطلاقُ قبلَ الدخولِ بها، وعبَّر عن الدخولِ بالمَسِّ؛ لأنَّ الرجلَ يخلُو بامرأتِهِ لِيَمَسَّها، ومَن دخَلَ بامرأتِهِ ولم يُجامِعْها فالحكمُ في ذلك واحدٌ، وحكمُ المدخولِ بها لا يُفرَّقُ فيه بينَ المَسِّ وغيرِه، والآيةُ جرَتْ مجرى الغالبِ.
أحوالُ المطلَّقةِ قبلَ الدخولِ ومهرِها:
والمطلَّقةُ قبلَ الدخولِ بها لا تخلُو مِن حالتَيْنِ:
الحالةُ الأُولى: أنْ يكونَ ضرَبَ لها مهرًا محدَّدًا وفرَضَهُ لها؛ فهذه لها نِصْفُ المَهْرِ، ويعودُ لزوجِها النِّصْفُ الآخَرُ؛ وذلك للآيةِ التاليةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} البقرة: ٢٣٧.
الحالةُ الثانيةُ: أنْ يكونَ الزوجُ لم يَفرِضْ لها مهرًا، ولم يَضرِبْ لها قدرًا محدَّدًا، فحقُّها على زَوْجِها المتاعُ بالمعروفِ.
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٤٢).