حتَّى تستحِقَّ عِوَضًا، فجاء القرآنُ بالبيانِ، وغيرُها مِن بابِ أَولى، واللهُ تعالى قال عن زوجاتِ نبيِّه وهُنَّ في عِصْمَتِهِ وقد دخَلَ بِهِنَّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الأحزاب: ٢٨.
وهذا قولُ أبي حنيفةَ وأحدُ قولَيِ الشافعيِّ، وقال به جماعةٌ مِن السلفِ؛ كابنِ جُبَيْرٍ وأبي العاليةِ والحسَنِ وغيرِهم.
ويَظهَرُ الوجوبُ في الآياتِ في قولِهِ: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة: ٢٤١، فسمَّاه حَقًّا وأكَّدَهُ بـ {عَلَى}، و"على": مِن صِيَغِ الوجوبِ عندَ جماعةٍ مِن الأصوليِّينَ.
الثاني: قالوا: هي خاصَّةٌ بالمطلَّقةِ قبلَ المسيسِ؛ سواءٌ ضرَبَ لها مهرًا أو لم يَضرِبْ لها؛ وذلك ظاهرُ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} الأحزاب: ٤٩.
وجعَلَ بعضُ المفسِّرينَ هذه الآيةَ ناسِخةً لآيةِ البابِ آيةِ البقرةِ؛ وبهذا قال سعيدُ بنُ المسيَّبِ؛ رواهُ عنه شُعْبةُ عَن قتادةَ.
واحتَجَّ لهذا القولِ بما ثبَتَ في البخاريِّ، مِن حديثِ سَهْلِ بنِ سعدٍ، وأبي أُسَيْدٍ؛ أنَّهما قالا: تَزَوَّجَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فلمَّا أُدخِلَتْ عليه، بسَطَ يدَهُ إليها، فكأنَّها كرِهَتْ ذلك، فأَمَرَ أبا أُسَيْدٍ أنْ يُجَهِّزَهَا ويَكْسُوَها ثوبَيْنِ رازِقِيَّيْنِ (١).
ولكنَّ فرضَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأميمةَ بنتِ شَرَاحِيلَ - وهي زَوْجةٌ مطلَّقةٌ يَظْهَرُ أنَّه لم يدخُلْ بها ولم يَمَسَّها - لا يَعني نسخَ التنصيصِ الواردِ في المطلَّقةِ المفوَّضةِ؛ فالتنصيصُ شيءٌ، والتخصيصُ شيءٌ آخَرُ.
(١) أخرجه البخاري (٥٢٥٦) (٧/ ٤١).