فآيةُ البقرةِ نَصَّتْ وما خَصَّتْ، والنصُّ يكون لمزيدِ اهتمام؛ فالمطلَّقةُ بلا دخولٍ ولا فرضٍ يَغلِبُ على الظَّنِّ إسقاطُ حقِّها، وأَنَّ النفوسَ تَرَى أنْ لا حَقَّ لأحدِ الزوجَيْنِ على الآخَرِ، فأَرَادَتِ الآيةُ التنصيصَ عليها بالمُتْعةِ.
والشريعةُ تَنُصُّ على بعضِ المسائلِ بالذِّكْرِ لأمرَيْنِ:
أوَّلًا: لأهميَّتِها وفضلِها على غيرِها بنوعِ فَضْلٍ، أو خَصُوصِيَّةٍ بحُكْمٍ.
ثانيًا: أنَّ مِثْلَها يَغلِبُ تفويتُهُ، فأرادَتِ التأكيدَ عليه، ولا يعني هذا فضلَ المذكورِ على غيرِه.
ولذا نَصَّتْ آيةُ البقرةِ على المطلَّقةِ المفوّضَةِ بلا مَسٍّ ولم تخصِّصْها.
والقولُ الثالثُ: أنَّ المتعةَ خاصَّةٌ بالمطلَّقةِ غيرِ المدخولِ بها ولم يُفرَضْ لها صَداقٌ؛ لظاهرِ آيةِ البابِ؛ وبهذا يقولُ ابنُ عُمرَ ومجاهِدٌ وجماعةٌ؛ كأحمدَ وغيرِه.
والقولُ الرابعُ: أنَّ المُتْعةَ مستحَبَّةٌ لكلِّ مطلَّقةٍ، وليست واجبةً، ويُحمَلُ قولُهُ تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة: ٢٤١ على الاستحبابِ، لا على الوجوبِ؛ وهذا قولُ مالكٍ وشُرَيْحٍ واللَّيْثِ.
وقرينةُ الاستحبابِ عنْدَهم: أنَّ آكَدَ المُتْعةِ متعةُ المفوَّضةِ؛ فلا مَهْرَ ولا دخولَ، وهي المذكورةُ في الآيةِ، ومع ذلك قال تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}؛ فجعَل اللهُ ذلك على أهلِ الإحسانِ، والإحسانُ فضلٌ؛ فاللهُ يَقولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} التوبة: ٩١.
متعةُ المفوَّضةِ ومهرُهَا:
ومِنَ العلماءِ: مَن جعَلَ المتعةَ واجبةً في المفوَّضةِ بلا دخولٍ، وأمَّا