فيُصاحِبُهُ الإيمانُ كلَّ يومِهِ وليلتِه، والنِّفاقُ لا يُطِيقُ المداوَمَةَ؛ لأنَّ المنافِقَ يتصنَّعُ ويتكلَّفُ، والمداوَمَةُ تَستعصي عليه، ولو كانت صلاةً واحدةً، لَقَوِيَ المنافِقُ عليها تصنُّعًا وتكلُّفًا، ولكنْ كانتِ الصلواتُ خمسًا متفرِّقاتٍ بين ساعاتِ الليلِ والنهارِ، تدورُ مع العبدِ تمحِّصُ نِفاقَهُ، وتَنفي خَبَثَه، ولا يُحافِطُ على الصلاةِ إلَّا مؤمِنٌ.
الصلاةُ الوسطى:
وقد اختلَفَ المفسِّرونَ مِن السلفِ في الصلاةِ الوُسْطَى على أقوالٍ كثيرةٍ، وهي نحوٌ مِن عشرينَ قولًا، وقد صنَّف فيه بعضُ المتأخِّرينَ تصنيفًا في جَمعِها؛ ومنها القويُّ، ومنها الضعيفُ، ومنها ما لا يُلتفَتُ إليه؛ وإنَّما قال به واحدٌ ولم يُتابَعْ عليهِ؛ فقيل: إنَّها صلاةُ العصرِ والفجرِ والظُّهْرِ والمغربِ والعشاءِ والجمعةِ والوِتْرِ والخوفِ والعِيدَيْنِ والضُّحَا، ومنهم مَن قال: هي صَلاتانِ، وقيل: أكثَرُ، وقيل: إنَّها أُبهِمَتْ، وقيلَ غيرُ ذلك.
وقد روى ابنُ جريرٍ، عن قتادةَ يحدِّثُ عَن سعيدِ بنِ المسيَّبِ؛ قال: "كان أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُختلِفِينَ في الصلاةِ الوُسْطَى هكذا، وشَبَّكَ بينَ أصابعِهِ" (١).
وأقوى تلك الأقوالِ: القولُ بأنَّها صلاةٌ العصرِ، وصلاةُ الفجرِ، ثمَّ القولُ بأنَّ اللهَ أَبْهَمَها وقد يصدُقُ على أيِّ واحدةٍ منهنَّ.
وأكثرُ السلفِ وجمهورُ الفقهاءِ: على أنَّها صلاةُ العصرِ؛ وذلك لما ثبَتَ في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ ابنِ مَسعودٍ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ الأحزابِ: (شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى؛ صَلَاةِ الْعَصْرِ) (٢).
وفي "صحيحِ مسلِمٍ"؛ مِن حديثِ أبي يُونُسَ مولى عائشةَ، عن
(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٧٢).
(٢) أخرجه مسلم (٦٢٨) (١/ ٤٣٧).