وفي تفسيرِ القنوتِ في الآيةِ بالدعاءِ في الصُّبْحِ نَظَرٌ.
والمرادُ بالتوسُّطِ: توسُّطُها زَمَنًا، لا صِفَةً؛ كما ذهَبَ إليه قَبِيصةُ بنُ ذُؤَيْبٍ (١)؛ حيثُ جعلَ الصلاةَ الوُسْطَى صلاةَ المَغْرِبِ؛ لأنَّ رَكَعَاتِها ثلاثٌ؛ فهِيَ وُسْطَى بهذا الاعتبارِ، فما فوقَها مِن الفرائصِ أربَعٌ، وما دونَها اثنَتانِ.
وقولُهُ مخالِفٌ لسياقِ الآيةِ، ولما عليه السلفُ.
ولا يُعرَفُ عن السلفِ القولُ بأنَّها صلاةُ العشاءِ؛ وإنَّما هو قولٌ لبعضِ الفقهاءِ بعدَهم.
وقد صَحَّ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ؛ أنَّه سُئِلَ عنها؟ فقال: "هي فِيهِنَّ؛ فحافِظُوا عليهِنَّ كُلِّهِنَّ"؛ رَواهُ عنهُ نافعٌ (٢).
فضلُ الصلاةِ في مشقَّتها:
ومُقتضى النصوصِ: أنَّ الصلاةَ كلَّما كانت أشقَّ، كانت أعظَمَ أجرًا، والناسُ يختلِفونَ في المشقَّةِ وعوارضِها عليهم؛ فالمسافِرُ ليس كالمُقِيمِ، والصدرُ الأوَّلُ يختلِفُ عن زمانِنا اليومَ، والعصرُ في زمنِهم وقتُ تكسُّبٍ ورِزْقٍ وضربٍ في الأسواقِ؛ ولذا جاء تعظيمُ صلاةِ العشاءِ في نصوصٍ كثيرةٍ هي وصلاةِ الفَجْرِ.
وجاء تعظيمُ صلاةِ العشاءِ والفجرِ وفضلُهما؛ لكونِهما مَظِنَّةَ راحةٍ ونومٍ؛ فالعشاءُ أوَّلُ النَّوْمِ، والفجرُ آخِرُه.
وإذا شَقَّتِ الصلاةُ في زمنٍ أو على شخصٍ، كان أجرُها لو أدَّاها أعظَمَ مِمَّن يؤدِّيها وهي عليه يسيرةٌ، وأثرُها عليه في نفيِ نفاقِهِ وصلاحِ سريرتِهِ أعظَمُ مِن غيرِها مِن الصلواتِ؛ فمَنْ كان ليلُهُ معاشًا كالمرابِطِينَ
(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٦٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٧١).