مشروعيةُ إقراضِ المحتاجِ:
والإقراضُ جاء النصُّ لفَضلِهِ؛ فهو مِن تفريجِ الكُرْبةِ، وتيسيرٌ على المُعْسِرِ، وعُدَّ المُقرِضُ كالمُنفِقِ نصفَ ما أقرَضَ؛ روى ابنُ مسعودٍ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً)؛ أخرَجَهُ ابنُ ماجَة (١)، وقد اختلِفَ في وقفِ الحديثِ على ابنِ مسعودٍ ورَفْعِهِ، ورَجَّحَ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ وقْفَهُ.
وفي "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هُرَيْرةَ - رضي الله عنه -؛ قال: قالَ - صلى الله عليه وسلم -: (كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فتَجَاوَزْ عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فتَجَاوَزَ عَنْهُ) (٢).
وقد يفضُلُ القرضُ على الصدفةِ إذا كان المحتاجُ متعلِّفًا، لا يَقْبَلُ الصدقةَ، ولا تنفرِجُ كربتُهُ إلا بإقراضِهِ.
والقرضُ رَغَّبَ اللهُ فيه الغنيَّ، وحذَّر اللهُ منه الآخِذَ له بلا حاجةٍ؛ لأنَّه يبقى في الذِّمَّةِ، وهو حقٌّ لازمٌ لا بُدَّ فيه مِن الوفاءِ، ويُغفَرُ للشهيدِ كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْنَ، مع عِظَمِ الشهادةِ والشهيدِ عندَ اللهِ.
والدَّيْنُ يَجْرُّ صاحِبهُ إلى التهاونِ به، حتَّى يكثُرَ دَينُهُ يَعجِزَ عن قضائِه، وإذا كَثُرَ الدَّيْنُ وطُلِبَ القضاءُ، وعَدَ وأخلَفَ، وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يستعيذُ منه دُبُرَ الصلاةِ، فيقولُ: (اللَّهُمَّ، إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتنَةِ المَسِيح الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتنَةِ المَحْيَا، وَفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللهُمَّ، إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ)، فقالَ له قائلٌ: ما أكثرَ ما تستعيذُ مِن المغرَم؟ فقال: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ)، متَّفقٌ عليه (٣).
(١) أخرجه ابن ماجه (٢٤٣٠) (٢/ ٨١٢).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٨٠) (٤/ ١٧٦)، ومسلم (١٥٦٢) (٣/ ١١٩٦).
(٣) أخرجه البخاري (٨٣٢) (١/ ١٦٦)، ومسلم (٥٨٩) (١/ ٤١٢).