والفرضُ مباحٌ للمحتاجِ الذي يَغلِبُ على ظنِّه الوفاءُ.
مِن أحكامِ السَّلَمِ:
وفي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} دليلٌ على جوازِ السَّلَمِ، وهو: بَيْعُ الدَّيْنِ بالعَيْنِ؛ أي: يُسلِفُ الرجلُ آخَرَ مالًا - كأَلْفِ دينارٍ - على أن يَقضِيَهُ عَشَرةَ أوْسُقٍ مِن البُرِّ أو الشَّعِيرِ، أو أنْ يَقضِيَهُ عَشْرًا مِن الإبلِ بعدَ عامٍ.
قال ابنُ عباسٍ: "أَشْهَدُ أنَّ السَّلَفَ المضمونَ إلى أجلٍ مُسَمًّى قد أحَلَّهُ اللهُ في كتابِه وأَذِنَ فيهِ، ثمَّ قرَأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} " (١).
والسَّلَمُ عندَ السلفِ بَيعُ معلومٍ في الذِّمَّةِ معروفٍ بالصِّفَةِ، بعينٍ حاضرةٍ أو ما في حُكْمِها، إلى أجلٍ معلومٍ.
فلا يجوزُ بيعُ المجهولِ، ولا سِلْعةٍ معيَّنةٍ؛ كمَن يَبِيعُ ثَمَرَ نخلٍ معيَّنٍ؛ حتَّى لا يدخُلَ فيه الغررُ والجهالةُ، فلا يُثمِرَ فتَضِيعَ الحقوقُ.
ولا خلافَ في جَوَازِ السَّلَمِ؛ للآيةِ، ولكنْ يجبُ في السَّلَمِ العِلْمُ بالكَيلِ والوزنِ والأجَلِ؛ لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ أسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) (٢).
وجوازُ السَّلَمِ ليس مِن بيعِ ما لا يَملِكُهُ الإنسانُ؛ كمَن يَبِيعُ عَيْنًا معلومةً غيْرَ مملوكةٍ له ولا مضمونةٍ عليه؛ فهذا الذي نَهَى النبي - صلى الله عليه وسلم - حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ عنه: (لَا تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) (٣)، وأمَّا السَّلَمُ، فعلى
(١) "تفسير الطبري" (٥/ ٧١)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٤٠) (٣/ ٨٥)، ومسلم (١٦٠٤) (٣/ ١٢٢٦).
(٣) أخرجه أحمد (١٥٣١١) (٣/ ٤٠٢)، وأبو داود (٣٥٠٣) (٣/ ٢٨٣)، والترمذي (١٢٣٢) (٣/ ٥٢٦)، والنسائي (٤٦١٣) (٧/ ٢٨٩)، وابن ماجه (٢١٨٧) (٢/ ٧٣٧).