وقد أمَرَ اللهُ بعدَ ذلك بتقواهُ فيما عَلَّمَهُم إيَّاه ممَّا يَحفَظُ الحقَّ، ويقومُ به القِسْطُ بين الناسِ.
* * *
قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} البقرة: ٢٨٣.
يصحُّ الرَّهْنُ في الحِلِّ والسفرِ، وذِكْرُ السفرِ ليس قيدًا في الآيةِ على جوازِ الرهنِ وصِحَّتِهِ؛ وذلك أنَّ اللهَ لمَّا ذكَرَ ما تُضبَطُ به الحقوقُ مِن الكتابةِ والشهادةِ وأداءِ الأمانةِ، وكان السفرُ مَظِنَّةً لعدمِ حضورِ كاتبٍ وشاهِدٍ فيه - خاصَّةً في زمنِ الأُمِّيَّةِ - أرشَدَ اللهُ إلى الرَّهْنِ، وهو صحيحٌ في السفرِ والحضرِ، وُجِدَ كاتِبٌ وشاهِدٌ أو لم يُوجَدْ؛ وهذا قولُ أكثرِ السلفِ، وهو قولُ الجمهورِ، خلافًا لأبي حنيفةَ؛ فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ماتَ ودِرْعُهُ مرهونةٌ عند يهوديٍّ، وهو في الصحيحِ عن عائشةَ (١).
حكمُ الرَّهْنِ في المسَّلَمِ:
والرهنُ في السَّلَمِ جائزٌ؛ لظاهرِ الآيةِ، فهي إنَّما نزَلَتْ في السَّلَمِ ودخلَتْ سائرُ الحقوقِ فيها تَبعًا.
ولا يجوزُ الرهنُ إلا بقَبْضِهِ؛ لقولِه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}، ولاتِّفاقِ الأئمَّةِ على ذلك.
وذهَبَ أبو حنيفةَ إلى أنَّهُ لا يَصِحُّ رَهْنُ المُشاعِ؛ لأنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ قبضُهُ، خلافًا للجمهورِ الذين قالوا بصِحَّةِ قبضِ المُشاعِ.
(١) أخرجه البخاري (٢٩١٦) (٤/ ٤١).