ومَن استدَلَّ بالجوازِ أخَذَه مِن قولِه: (إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) على مَعْنَيَيْهِ: إمَّا أنَّكِ لا تَملِكِينَ حيضَكِ؛ فهو مِن للهِ فلا يَمْنَعُكِ شيئًا، وإمَّا أنَّ الحيضَ في الفَرْجِ لا في اليدِ، قالوا: وَيظهَرُ مِن كِلا المعنيَيْنِ الإذنُ في الدخولِ، ولم يُقيَّدْ بزمنٍ، ولا حالِ ما أُمِنَ تنجيسُ المكانِ.
وقد روى أبو حفصٍ وابنُ بَطَّةَ؛ مِن حديثِ عبدِ الرزَّاقِ؛ حدَّثَنا الثوريُّ، عنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عن أبيهِ، عن عائشةَ - رضي الله عنها -؛ قالتْ: "كُنَّ المُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنَ المَسْجِدِ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ الأَخْبِبَةَ فِي رَحْبَةِ المَسْجِدِ، حَتَّى يَطْهُرْنَ" (١).
وهذا الخبرُ لا أعلَمُهُ إلا في كتُبِ الأصحابِ من الحنابلةِ، وجوَّدَ إسنادَهُ ابنُ مُفْلِحٍ، ولا أعلَمُهُ يُروى إلا مِن حديثِ عبدِ الرزَّاقِ تفرَّدَ به عن الثوريِّ.
وقد حُمِلَ هذا على حفظِ المسجدِ مِن التنجيسِ؛ لانعدامِ ما يَتوقَّى به نساءُ ذلك الزمنِ، ولأنَّ الحيضَ يطولُ فيصعُبُ الاحترازُ مِن تنجيسِ المسجدِ به.
وأمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النساءَ الحُيَّضَ أنْ يَعْتَزِلْنَ مُصلَّى العيدِ؛ فذلك حتى لا يقطَعْنَ صفوفَ صلاةِ النساء، ولم يكونوا يُصَلُّونَ في مسجدٍ؛ وإنَّما كانت صلاتُهم في فَلاةٍ.
وأما عَرَقُ الجُنُبِ والحائضِ، فلا خلافَ في طهارتِهِ، ويأتي مزيدُ ببانٍ في المسألةِ في سورةِ النساءِ، في قولِهِ تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآيةَ ٤٣.
زمنُ تسميةِ المولودِ:
وفي قولِهِ: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}: تسميةُ لمولودِ عندَ ولادتِهِ فيما
(١) أورده ابن قدامة في "المغني" (٣/ ٢٠٦)، وابن مفلح في "الفروع" (٥/ ١٦٧).