وبينَ مريمَ وزكريَّا قَرَابَةٌ، واختُلِفَ في تعيينِ القرابةِ:
فقيل: خالتُها تحتَ زكريَّا، وهي أمُّ يحيى، وهو قولُ ابنِ إسحاقَ. وقال السُّدِّيُّ وقتادةُ: كانت أختُ مريمَ تحتَ زكريَّا؛ وهذا أقربُ لِمَا في "الصحيحِ"؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ) (١)، وقد يَتجوَّزُ العربُ فيُنْزِلونَ أولادَ الأولادِ بمنزلةِ آبائِهم مع أولادِ أعمامِ الآباءِ وخالاتِهم.
منزلةُ الخالةِ في الحضانةِ:
وكفَّلَ اللهُ مريمَ زكريَّا؛ لأنَّ خالتَها تحتَهُ، والخالةُ بمنزلةِ الأمِّ، وإنَّما جعَلَ الكفالةَ لزكريَّا؛ لأنَّ زكريَّا يكفُلُ زوجتَهُ، وزوجتُهُ تكفُلُ مريمَ؛ فوقَعَ الجميعُ تحتَ كفالةِ زكريَّا؛ لأنَّ الرجلَ يقومُ بالنفقةِ سُكْنَى وكسوةً وطعامًا، وفي هذا إشارةٌ إلى قِوامةِ الرجلِ وولايتِه.
ولأنَّ الخالةَ بمنزلةِ الأمِّ؛ لِمَا ثبَتَ في البخاريِّ "أَنَّ عليًّا وجعفرًا وَزيدَ بنَ حَارِثَةَ - رضي الله عنهم -، تنازَعُوا في حضَانَةِ بنتِ حَمْزَةَ بعدَ أَنِ اسْتُشْهِدَ، فَقَالَ عَليٌّ: بنتُ عمِّي، وَعِنْدِي بنتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ زيدٌ: بنتُ أخي، وَكَانَ عليه السلامُ قد آخَى بَينَ زيدٍ وَحَمْزَةَ، وَقَالَ جَعْفَرٌ: الحَضَانَةُ لي؛ هِيَ بنتُ عمِّي وَعِنْدِي خَالَتُهَا، فَقَالَ - عليه السلام -: (الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ) (٢)، وَسلَّمَهَا إِلَى جَعْفَرٍ وجعَلَ لخالتِها الحَضَانَةَ، وَهِي ذَاتُ زوجٍ".
ولا يَختلِفُ العلماءُ أنَّ الأمَّ أحقُّ بحضانةِ ولدِها عندَ فِراقِها مِن زوجِها، أو عندَ وفاتِه، أو غيابِه؛ ما لم تتزوَّجْ، قد حكَى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ؛ كابن المنذرِ وابنِ عبدِ البَرِّ وغيرِهما.
قال ابن عبدِ البرِّ: "لا أعلمُ خلافًا بينَ السلفِ مِن العلماءِ في
(١) أخرجه البخاري (٣٨٨٧) (٥/ ٥٢).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٩٩) (٣/ ١٨٤).