المرأةِ المطلَّقةِ إذا لم تتزوَّجْ: أنَّها أحقُّ بولدِها مِن أبيهِ، ما دامَ طفلًا صغيرًا لا يُميِّزُ شيئًا، إذا كان عندَها في حِرْزٍ وكفايةٍ، ولم يثبُتْ منها فِسْقٌ، ولا تبرُّجٌ" (١).
وإذا تزوَّجَتِ المرأةُ، سقَطَ حقُّها في الحضانةِ بلا خلافٍ؛ لما روى عمرُو بن العاصِ أنَّ امرأةً قالتْ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي؟ ! فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لم تَنْكِحِي) (٢)؛ أخرَجَه أحمدُ وأبو داودَ؛ مِن حديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه.
الأمُّ مقدَّمةٌ في الحضانة على الأب:
وإنَّما قُدِّمَتِ الأُمُّ في حضانةِ الولدِ؛ لأنَّ ذلك في صالحِها، وصالحِ ولدِها, وصالحِ الأبوَيْنِ جميعًا، وهو إصلاحٌ مِن جهاتٍ ثلاثٍ:
أولًا: لأنَّه أصلَحُ لنفسِ الأمِّ؛ فإنَّ الأمَّ أكثرُ تعلُّقًا بولدِها مِن أبيه، وبُعْدُهُ عنها أشدُّ على نفسِها منه على نفسِ الوالدِ لو ابتعَدَ عنه ابنُهُ، وجَعْلُ ولدِها في حضانتِها أرحمُ بها وأَرفَقُ بحالِها، وهي أحوَجُ إليه مِن والدِه، مع أنَّ الصبيَّ الصغيرَ في أوَّلِ رَضاعِهِ لا يُفرِّقُ بينَ أمِّه وغيرِها.
ثانيًا: لأنَّه أصلَحُ للولدِ؛ فالأمُّ أرحمُ به مِن أبيه، وأرفَقُ عليه منه؛ لأنَّ الأبَ لن يستقلَّ بحضانةِ الولدِ بنفسِه؛ وإنَّما سيَشرَكُهُ غيرُهُ من زوجةٍ وبنتٍ خادمةٍ وغيرِهِنَّ؛ فحضانةُ الأمِّ أعظمُ للولدِ مِن حضانةِ الأبعَدِ منها.
ثالثًا: أنَّ بقاءَ حضانةِ الصغيرِ عندَ أُمِّهِ دافعٌ لصِلَةِ الأبِ بأهلِ ولدِه،
(١) "الاستذكار" لابن عبد البر (٢٣/ ٦٩)، وفي الاستذكار: "لم تتزوج"، بدل: "ولا تبرُّج"، والأظهر أن الصواب: "ولا تبرج"؛ هكذا نقله القرطبيُّ عنه، ثم إن في أول الكلام قال عبد الله: "إذا لم تتزوج" لا يناسبُ معه تكرارُ الكلام.
(٢) أخرجه أحمد (٦٧٠٧) (٢/ ١٨٢)، وأبو داود (٢٢٧٦) (٢/ ٢٨٣).