وأدوَمُ للمودَّةِ، وأقربُ لأمِّ الولدِ، وأحفَظُ للعهدِ؛ فالرجلُ أقربُ للقطيعةِ مِن المرأةِ؛ لانشغالِهِ ولقُوَّتِهِ، ورِقَّةِ المرأةِ وضعفِها، ولو كانتِ الحضانةُ عندَه، تثاقَلَ عن صلةِ أهلِ ولدِه، وصلتُهُ لهم أقربُ لعودةِ الزوجَيْنِ بعدَ الطلاقِ لو كان رجعيًّا.
الحضانةُ بعد التمييز:
واتَّفَقَ الأئمةُ الأربعةُ أنَّ الولدَ يكونُ عندَ أُمِّهِ إلى التمييزِ، واختَلَفُوا في بقائِه عندَها بعدَ ذلك على قولَيْنِ:
الأولُ: قالوا: يبقَى الغلامُ إلى بلوغهِ عندَ أمِّه ما لم تتزوَّجْ أمُّه، وأمَّا الجاريةُ، فتبقَى عندَ أمِّها حتى تتزوَّجَ الجاريةُ أو تتزوَّجَ أمُّها؛ وبهذا قال مالكٌ.
الثاني: قالوا: يبقَى الولدُ - غلامًا وجاريةً - عندَ أمِّه، حتى يتمَّ السابعةَ، ويبلُغَ الثامنةَ مِن عمرِه، ثمَّ يُخيَّرُ بينَ أبوَيْهِ؛ وبهذا قال الشافعيُّ وأحمدُ.
وذلك لِمَا روى أبو هريرةَ: أنَّ امرأَةً جاءتْ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ له: إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أبي عِنبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي؟ فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (اسْتَهِمَا عَلَيْهِ)، فقال زوجُها: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (هَذَا أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ)، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ (١).
سقوطُ الحضانةِ بزواجِ الأمِّ:
وإذا تزوَّجَتِ الأمُّ، سقَطَ حقُّها في الحضانةِ بلا خلافٍ، واختلَفُوا في بَدْءِ سقوطِ حقِّ الحضانةِ، مع اتِّفاقِهم على أنَّه يسقُطُ بدخولِ الزوجِ الجديدِ بها، واختلَفُوا في العقدِ: هل يسقُطُ الحقُّ له قبلَ الدخولِ أم لا؟ على قولينِ:
(١) أخرجه أبو داود (٢٢٧٧) (٢/ ٢٨٣)، والنسائي (٣٤٩٦) (٦/ ١٨٥).