وأكثرِ السلفِ؛ وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ، وروايةٌ عن أحمدَ، وصحَّ فِعلُه عن ابنِ عمرَ، خلافًا للحنفيَّةِ، وكرِهَه جابرُ بن عبدِ اللهِ، وعطاءٌ؛ فقد روى عبدُ الرزَّاقِ، عن جابرٍ؛ أنَّه قال: "لَوْ مَرَرْتُ بِقَوْمِ يُصَلُّونَ، مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ" (١).
والسلامُ على الجماعهِ أظهرُ في الإشغالِ مِن المنفرِدِ؛ فهم مأمورونَ بالمتابعةِ للإمامِ والإنصاتِ له؛ فالسلامُ قد يُدخِلُ تسليمَ المُسلِّمِ مع تكبيرِ الإمامِ وتسليمِه وقراءتِه، فيَخلِطُ على المأمومِ صلاتَه، ويظهرُ هذا إذا تتابَعَ الناسُ إلى الصلاةِ والإمامُ يُصلِّي بالناسِ، فسلَّمَ كل متأخِّرٍ على جماعةِ الصلاةِ، فيَنشغِلونَ عن واجبِهم بسلامِ الداخِلِينَ عليهم.
وظواهِرُ الأدلَّةِ على استحباب السلامِ وعدمِ نسخِه بحالٍ، وتحريمُ الكلامِ على المصلِّي لا يعني مَنعَ السلامِ عليه، لأنَّ العلةَ مِن السلامِ ليستِ التحيةَ والترحيبَ والردَّ عليها فحَسْبُ، بل إشعارُ المسلَّمِ عليه بالسلامِ والأمانِ؛ وهذا مشروعٌ ولو لم يَرُدَّ، فيُشرَعُ السلامُ على الأخرسِ، وعلى مَن لا يَرُدُّ السلامَ عمدًا بسببِ هجرٍ أو قطيعةٍ.
والصحابةُ يُفرِّقونَ بين بَذْلِ السلامِ وبينَ ردِّه، فجابرُ يقولُ في بذلِ السلامِ: "لَوْ مَرَرْتُ بِقَوْمِ يُصَلُّونَ، مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ".
ويقولُ في ردِّ السلامِ: "لَوْ سُلِّمَ عَلَيَّ وَأَنَا أُصَلِّي، لَرَدَدتُّ" (٢).
ولم يُنكِرِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على جابرٍ، حينَما سلَّمَ عليه ولم يَعلَم بنسخِ الكلامِ في الصلاةِ؛ وإنَّما بَيَّنَ له سببَ عدمِ ردِّه عليه، فقال: (إِنَّهُ لم يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي) (٣).
(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٣٦٠٠) (٢/ ٣٣٧).
(٢) "الأوسط" لابن المنذر (٣/ ٤٣٦).
(٣) أخرجه مسلم (٥٤٠) (١/ ٣٨٤).