القِدَاحَ، وهي الأَزْلامُ، وهي على ثلاثةِ أَضْرُبٍ؛ منها ما كُتِبَ عليه: أمَرَني ربِّي، ومنها ما كُتِبَ عليه: نَهَاني ربِّي، ومنها غُفْلٌ لا كتابةَ عليه، يُسمَّى: المَنِيحَ، فإذا خرَجَ: أمَرَني ربِّي، مَضَى في الحاجةِ، وإذا خرَجَ: نَهَاني ربِّي، قعَدَ عنها، وإذا خرَجَ: الغُفْلُ، أجَالَها ثانيةً.
واللهُ لا يأمُرُهم بهذا، وهذا فعلُ فردٍ لا يُشاحُّهُ عليه أحدٌ ولا يُنازِعُهُ فيه منازعٌ، ويفعَلُونَ هذا الفعلَ تيمُّنًا وتعظيمًا، والقُرْعةُ تُفعَلُ عندَ المُشاحَّةِ والنِّزاعِ عندَ استواءِ الحقوقِ وتشابُهِها، بلا تعظيمٍ، ولا ينسُبُونَ ذلك إلى اللهِ، ولا يَقصِدُونَهُ في مكانٍ مُعظَّمٍ كالمسجدِ الحرامِ أو غيرِه.
والقولُ بأنَّ القُرْعةَ قِمارٌ واستقسامٌ بالأزلام أو تَطَيُّرٌ: جهلٌ بالقِمارِ والتطيُّرِ والاستقسامِ بالأزلامِ والقرعةِ، فالتطيُّرُ يفعلُه الإنسانُ لنفسِهِ ولغيرِه، والقرعةُ للفصلِ في الحقوقِ بينَ المتنازِعينِ، وليس ليَفْعَلَ الإنسانُ في نفسِهِ أو لا يفعَلَ، فمَن أرادَ سفرًا أو زواجًا فوضَعَ الأقداحَ أو الأقلامَ لِتُمضِيَهُ إلى فعلٍ أو ترُدَّهُ عنه، فهذا باطلٌ، والقُرْعةُ ليستْ لعملِ الإنسانِ في نفسِهِ؛ بل للفصلِ في حقِّ المُتخاصِمين، وهذا يَظْهَر في قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}، يعني: مع زكريَّا في كفالةِ مريمَ.
وكان أحمدُ يشدِّدُ على مَن يُنكِرُها، وقد سُئِلَ عن القرعةِ، ومَن قال: إنَّها قمارٌ؟ قال: إنْ كان ممَّن سَمِعَ الحديثَ، فإذا كلامُ رجلِ سُوءٍ؛ يزعُمُ أنَّ حُكمَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قمارٌ.
وقال مرةً: هذا قولٌ رديءٌ خبيثٌ.
وقال: مَن ادَّعى أنَّها منسوخةٌ، فقد كَذَبَ وقال الزُّورَ.
وقال: القُرْعةُ حُكمُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقضاؤُه؛ فمَن رَدَّ القرعةَ، فقد ردَّ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قضاءَه وفِعلَه.
* * *