قال تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)} آل عمران: ٤٩.
جعَلَ اللهُ لعيسى مِن الإعجازِ ما خَصَّه له، ممَّا لم يُشارِكْهُ غيرُه، والمعجزاتُ منها ما يتشارَكُ فيها الأنبياءُ، كبَيانِ الوحي المُنزَّلِ بالحُجَجِ الباهرةِ، والبيِّناتِ القويَّةِ، ومنها ما هو مِن خصائصِ نبيٍّ بعَينِه، كتسخيرِ الجنِّ والريحِ وتعليمِ مَنْطِقِ الطَّيْرِ والنملِ لسُلَيْمَانَ، والعصا واليدِ البيضاءِ لموسى، وإحياءِ المَوْتَى لعيسى، وشَقِّ القمرِ لمحمدٍ.
ومِن معجزاتِ عيسى صنعُ الطيرِ مِن الطينِ بيدِه، ثمَّ النفخُ فيه ليكونَ طيرًا بإذنِ اللهِ، وكذلك شفاؤُه المَرْضَى كالأكْمَهِ والأَبْرَصِ، وخَصَّه اللهُ بإحياءِ الموتَى، والإنباءِ بما في بيوتِهم مِن مدَّخَراتٍ.
واللهُ يجعلُ لكلِّ نبيٍّ مِن المعجزاتِ ما يُناسِبُ تعلُّقَ أهلِ زمانِهم به؛ ففي زمنِ موسى وعيسى كانت بنو إسرائيلَ يتعلَّقونَ بالسَّحَرَةِ لمعرفةِ المغيَّباتِ، وفِعلِ الخوارقِ والمعجزاتِ، وقلبِ الماديَّاتِ المُشاهَداتِ، فكانت آياتُ موسى وعيسى مِن جِنسِ هذا.
وزاد قومُ عيسى تعلُّقًا بأهلِ الطبِّ والعلاجِ، ومعرفةِ أسبابِ الشفاءِ؛ ممَّا لم يكنْ في أسلافِهم.
وقولُه تعالى: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ}: فيه جوازُ إطلاقِ اسم الخَلْقِ على فِعْلِ العِبادِ، ومِن ذلك قولُه تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون: ١٤ , وفي حديثِ ابنِ عمرَ في "الصحيحينِ"؛ قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ الذينَ