قال أحمدُ: يُشارِكُ اليهوديَّ والنصرانيَّ، ولكنْ لا يخلُو اليهوديُّ والنصرانيُّ بالمالِ دُونَه، ويكونُ هو الذي يَلِيهِ؛ لأنَّه يعملُ بالرِّبا.
ورواهُ ليثٌ عن عطاءٍ وطاوُسٍ ومجاهدٍ.
وليثٌ مع ضعفِه فإنَّه إذا روى قولًا عن جماعةِ فقرَنَهُمْ كطاوسٍ وعطاءٍ ومجاهدٍ يقعُ منه خلطُ قولِ بعضِهم ببعضٍ.
الثالثُ: قال الشافعيُّ وأحمدُ في روايةٍ بكراهةِ الشراكةِ مطلقًا.
علةُ منعِ الشراكةِ بين السلم والكافر:
ويَظهَرُ أنَّ أكثرَ مَن مَنَعَ مِن الشراكةِ بينَ المسلمِ والكافرِ لم يمنَعْها لِذَاتِ الشراكةِ؛ وإنَّما هو لخشيةِ وقوعِه في كسبٍ حرامٍ؛ ولذا قيَّدُوا جوازَها بكونِ المسلمِ متصرِّفًا، وهذا ظاهرُ قولِ مالكٍ وأحمدَ؛ ولهذا علَّلَ أحمدُ ذلك بأكلِهمُ الحرامَ، وهذا التعليل الذي لأجْلِه نَهَى السلفُ عن المشاركةِ كابنِ عباسٍ وابنِ سيرينَ والضحَّاكِ والحسنِ؛ فعن أبي حمزةَ قال: قلتُ لابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما -: إنَّ رجُلًا جلَّابًا، يجلِبُ الغنمَ، وإنَّه لَيُشارِكُ اليهوديَّ والنصرانيَّ؟ قال: لا يُشارِكُ يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مجوسيًّا، قال: قلتُ: لِمَ؟ قال: لأنَّهم يربونَ، والرِّبا لا يَحِلُّ (١).
ولهذا جوَّزُوا أنْ يكونَ التصرُّفُ بيدِ المسلمِ؛ كما قال ابنُ سيرينَ: لا تُعطِ الذِّمِّيَّ مالًا مُضارَبةً، وخُذْ منه مالًا مضارَبةً، فإذا مرَرْتَ بأصحابِ صَدَقَةٍ، فأعْلِمْهُم أنَّه مالُ ذميٍّ (٢).
ومِن هذا تشديدُ أحمدَ في المجوسيِّ أكثرَ مِن الكتابيِّ؛ لأنَّه يُحِلُّ الحرامَ أكثرَ مِن الكتابيِّ، قال: ما أُحِبُّ مُخالطتَهُ ومُعاملتَهُ؛ لأنَّه يَستحِلُّ ما لا يَستحِلُّ هذا. وقال حنبلٌ: قال عمِّي: لا تُشارِكه ولا تُضارِبْه.
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٩٩٨٠) (٤/ ٢٦٨).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٩٩٨٣) (٤/ ٢٦٩).