ولمَّا كان أصل التبايعِ بينَ المسلمِ وغيرِ المسلمِ الحِل، والأدلةُ في ذلك مستفيضة، والشراكة إنَّما هي بيعَ وشراء، ولكَّها اختصت بالديمومةِ، فالبيعةُ الواحدةُ يقومُ عليها صاحِبُها حتى يقبضها، وأمّا البيعُ الدائم المستمر، فيحصل فيه الغفلةُ والاتكالُ وأمنُ الشريكِ، فلا يصح القولُ بتحريمِ الشراكةِ مطلقُا؛ وإنما هي على حالتينِ:
حالات الشراكة بين المسلِمِ والكافر:
الحالةُ الأولى: إذا كانت يدُ المسلمِ المتصرفةَ أو الرقيبةَ على الشراكةِ، فيأمَن مِن الحرامِ، فهي جائزة، ولو لم يكن متصرِّفًا، بل تكفي رقابتُه وضبطُه لعقودِه ومَداخلِ المالِ عليه ومَخارِجِه منه.
وقد لا يكونُ الشريك متصرِّفًا، لكنه رقيب يَحسُبُ وَيضبِط، فحكمهُ حُكمُ المتصرف في الجوازِ، وكلما كان جنس المَبِيعِ ونوعه معروفًا، فهذا يدفَعُ ظنَّ التصرُّفِ بالمالِ حرامًا مِن الكافرِ؛ فالمضاربةُ المُطلَقة تَختلِفُ عن المقيَّدةِ، والمُزَارَعَةُ تختلِفُ عن غيرِها مِن أنواعِ الشراكةِ، وقد ترجم البخاريُّ في "صحيحِه"، فقال: (باب مشاركة الذميِّ والمشركِينَ في المُزارعةِ) (١)؛ لأنَّ التصرفَ في المزارعةِ أضيَق مِن المضاربةِ بالمالِ، وقد جاء في "الصحيحِ" جملةٌ مِن الأحاديثِ في مزارعةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهلِ الذمةِ؛ كما في "الصحيحينِ", مِن حديثِ ابنِ عمرَ وغيرِه.
الحالة الثانية: إذا كانت يدُ الكافرِ هي المُتصرفةَ بلا رقيبٍ مِن المسلمِ على تصرفِه، فهذه شراكةٌ لا تجوزُ؛ لاحتمالِ دخولِ الحرامِ عليه؛ مِن رِبًا ورِشوَةٍ وغَرَرٍ وغيرِ ذلك.
وتحريم الشراكةِ بينَ المسلمِ والكافرِ مطلقًا بلا قيدٍ: مخالف للأدلة المستفيضةِ, فالشراكة مِن جنسِ البيعِ والشراءِ، ولكنها منتظِمةٌ، وفي
(١) "صحيح البخاري" (٣/ ١٤٠).