قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}؛ روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن عِكْرِمةَ؛ قال: "لمَّا أنزَلَ الله قولَهُ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} آل عمران: ٨٥، قالتِ المِلَلُ: نحن مُسلِمونَ، فأنزَلَ الله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، فحَجَّ المسلِمونَ، وقعَدَ الكفارُ" (١).
والكفرُ في الآيةِ يرادُ به الجُحُودُ على قولِ عامَّةِ السلفِ؛ وبهذا قال ابنُ عباسٍ وابنُ عمرَ ومجاهدٌ.
قال ابنُ عمرَ ومجاهدٌ: مَنْ كَفَرَ؛ أيْ: باللهِ واليومِ الآخِرِ.
وقال ابنُ عباسٍ: مَن زعَمَ أنَّه لم يَنْزِلْ (٢).
صحَّ هذا عن ابنِ عباسٍ مِن غيرِ وجهٍ.
ولم يَثْبُتْ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في تكفيرِ تارِكِ الحجِّ كَسَلًا حديثٌ، ولا عن أحدٍ مِن الصحابةِ - رضي الله عنهم -، إلا ما جاءَ عن عمرَ بنِ الخطَّاب، فيما رواهُ البيهقيُّ والإسماعيليُّ؛ مِن حديثِ ابنِ غَنْمٍ، عن عمرَ؛ قال: "مَن أطَاقَ الحجَّ، فلم يَحُجَّ، فسواءٌ عليه مات يهوديًّا أَو نصرانيًّا" (٣).
وهو صحيحٌ عنه، ويظهَرُ أنَّ مُرادَه في ذلك مَن ترَكَ الحجَّ غيرَ مؤمنٍ بوجوبِه؛ ففي لفظِه عندَ سعيدِ بنِ منصورٍ؛ مِن حديثِ الحسن، عنه؛ قال: "أنْ يَضرِبُوا عليهم الجِزْيَةَ؛ ما هم بمسلِمينَ، ما هم بمسلِمينَ! " (٤)، والجزيةُ لا تُضرَبُ على المُرْتَدِّ الذي دخَلَ الإِسلامَ، ثمَّ ارتدَّ بتركِ الحجِّ تساهُلًا؛ وإنَّما تُضرَبُ على الكتابيِّ الأصليِّ،
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٦٩٩).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٧١٤ - ٧١٥).
(٣) ينظر: "مسند الفاروق" لابن كثير (١/ ٢٩٢)، و"تفسير ابن كثير" (٢/ ٨٥).
(٤) ينظر: "الأربعون حديثًا" للآجري (ص: ١٦٩)، و"تفسير أبي كثير" (٢/ ٨٥).