رحِمًا للولادة، لا للرَّضَاعِ؛ (خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَة، فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ) (١).
* * *
قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} النساء: ٢.
ذكَرَ اللهُ أموالَ الأيتامِ بعدَ بيانِ حقِّهِ تعالى بتَقْواهُ وحُكْمِ الرحِمِ بالوصلِ؛ لأنَّ غالبَ كفالةِ الأيتامِ تكون مِن ذوي الرحِمِ والقُربى، فيتتبَّعُ الرجلُ أيتامَ أخيهِ وأختِهِ وعمِّهِ ونحوِهِمْ؛ فبَيَّنَ اللهُ حقَّهم وخصيصتَهُمْ بالحقِّ والفضلِ والحُرْمةِ.
وأعظَمُ اليُتْمِ فَقْدُ الأبَويْن، ثمَّ فقدُ الأب، ثمَّ فقدُ الأمِّ، ويُطلَقُ في الشرعِ اليُتْمُ على مَن فقَدَ أباهُ ولو كانتْ أُمُّه باقيةً؛ قال ابنُ السِّكِّيتِ: "اليُتْمُ في بني آدمَ مِن قِبَلِ الأب، وفي غيرِهم مِن قِبَلِ الأمِّ" (٢).
وتُسمِّي العربُ مَن فقَدَ أبوَيْهِ لَطِيمًا، ويستمرُّ وصفُهُ باليُتْمِ ما لم يَحتلِمْ؛ لقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ)؛ رواهُ أبو داودَ (٣).
تعظيمُ حقِّ اليتيمِ ومالِهِ:
وعظَّمَ اللهُ مالَ اليتيمِ؛ لضَعْفِهِ عن الانتصارِ لنفسِهِ ومعرفةِ حقِّه، ولمَّا كانتِ البَلْوَى تَعُمُّ بمخالَطةِ مالِهم في أموالِ مَن يَكفُلُهُمْ لتنميتِها أو
(١) أخرجه البخاري (٧٥٠٢) (٩/ ١٤٥)، ومسلم (٢٥٥٤) (٤/ ١٩٨٠).
(٢) ينظر: "إصلاح المنطق" لابن السكيت (ص ٢٦٣)، و"تاج العروس" (٣٤/ ١٣٤).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٨٧٣) (٣/ ١١٥).