وما يُكلِّفُهُ مِن عملٍ مِن قيام بشأنِه، فإنْ كان يقومُ على كلِّ شأنِه، فيأخُذُ مِن وقتِهِ وعملِهِ الذي لو بُذِلَ في كسبٍ لنالَ خيرًا، فيأكُلُ بمقدارِ حاجتِهِ ودونَ ما يَفُوتُهُ ممَّا لو تفرَّغَ للعملِ لصالِحِ نفسِهِ لَحَصَّلَهُ؛ فإنَّ هذا هو العدلُ في مالِ اليتيمِ وعدمُ الإضرارِ في الوليِّ الفقيرِ.
فإنْ كان أكلُ الفقيرِ مِن مالِ اليتيمِ يُفسِدُهُ لِقِلَّتِه، فالأَوْلى تركُ ولايتِهِ إلى غنيٍّ غيرِهِ مِن قراباتِهِ ممَّن يقومُ به كقيامِه.
حكمُ إعادةِ الوليِّ ما أكل من مالِ اليتيمِ:
وبعضُ السلفِ جعَلَ الأكلَ مِن مالِ اليتيمِ قَرْضًا يجبُ ردُّه؛ صحَّ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهدٍ وغيرِهما (١).
وقيَّدَ سعيد بنُ جُبيرٍ إعادتَهُ بالقُدْرةِ قبلَ الموتِ والمُسامَحةِ بعدَهُ (٢)، وكأنَّه جعَلَ إعادتَهُ فضلًا لا فرضًا؛ ولو كان فرضًا؛ لَبَقِيَ في الذمَّةِ ولو بعدَ موتِه.
واستدَلَّ مَن قال بالقضاءِ بما رواهُ حارثةُ بنُ مُضَرِّبٍ؛ قال: قال عمرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه -: "إنِّي أَنْزَلْتُ مَالَ اللهِ تَعَالَى مِنِّي بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْيَتِيم؛ إِنْ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افتَقَرْتُ أَكَلْتُ بالمَعْرُوف، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ"؛ أخرَجَه الطبريُّ والبيهقيُّ (٣)، وله طُرُقٌ أخرى عن عمرَ؛ وهو صحيحٌ.
والصحيحُ؛ عدمُ وجوبِ إعادتِهِ إذا كان مِن وليٍّ فقيرٍ وبالمعروفِ؛ قال بهذا عطاءٌ والحسنُ والشافعيُّ؛ لأنَّ اللهَ سمَّاهُ أكلًا، والأصلُ في الأكلِ في القرآنِ الإباحةُ مِن غيرِ عِوَضٍ، وما جاء عن عمرَ بنِ الخطابِ
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٤١٢ - ٤١٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٦٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٤١٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٧٠).
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٦/ ٤١٢)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٤).