نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}؛ فدَلَّ على أنَّ العقوبةَ محصورةٌ بما يُنصَّفُ، وهو الجَلْدُ، خلافًا لأبي ثَوْرٍ، فقد قال بأنَّ الأَمَةَ المُحصَنةَ تُرجَمُ.
ولا خلافَ عندَ العلماءِ: أنَّ جَلْدَها لا يَزِيدُ على الخمسينَ؛ لأنَّه الحَدُّ المنصوصُ عليه في سورةِ النورِ للحُرَّةِ؛ كلما سيأتي.
والسُّنَّةُ لم تُفرِّقْ بينَ الأَمَةِ المتزوِّجةِ وغيرِها في الزِّنى؛ فنصَّتْ على عقوبةٍ واحدةٍ ولو تكرَّرَ الزِّنى، مِن غيرِ تفصيلٍ في الحالِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ئُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ) (١).
وعقوبةُ الزِّنى على الأَمَةِ حدٌّ، لا تعزيرٌ؛ لقولِه: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} عندَ عامَّةِ السلفِ؛ وإنَّما الخلافُ عندَهم في حدِّ الأَمَةِ: هل يجبُ ذلك بعدَ زواجِها أو لا فرقَ بينَ المتزوِّجةِ وغيرِ المتزوِّجةِ مِن الإماءِ؟ :
فمَن فسَّر الإحصانَ بالنِّكاحِ في الآيةِ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، فرَّقَ بينَ المتزوِّجةِ وغيرِها، وجعَلَ الحَدَّ على المتزوِّجةِ فحَسْبُ، وعلى غيرِها التعزيرَ والتأديبَ والزجرَ والتثريبَ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ كما سبَقَ، وبه قال طاوسٌ وغيرُه.
والأظهَرُ: وجوبُ الحدِّ مطلقًا؛ ففي" الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، وزيدِ بنِ خالدٍ" أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ
(١) أخرجه البخاري (٢٢٣٤) (٣/ ٨٣)، ومسلم (١١٧٠٣) (٣/ ١٣٢٨).