تُحْصِنْ؟ قَالَ: (إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ) (١).
وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعة، وعندَهم يُقاسُ العبدُ على الأَمَةِ؛ خلافًا لأهلِ الظاهرِ.
وقولُه لعالى بعدَ ذِكْرِ عقوبةِ الحدِّ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ذلك لأنَّ الآيةَ لدفعِ مُوَاقَعَةِ الذنبِ؛ ببيانِ الأحكامِ وسَنِّ الحدود، وإنْ لم تَضْبِطْهُ الحدودُ وتجاوَزَ الأحكامَ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ له؛ فاللهُ غفورٌ للمذنِبِ المتجاوِز، رحيمٌ به.
وفي الآيةِ: ذِكرٌ لغُفرانِ اللهِ ورحمتِه بعدَ حدِّ الزِّنى للأَمَةِ؛ إشارةً إلى أنَّ الحدودَ كفَّارةٌ لأصحابِها، ولو لم يكنْ في ذلك توبةٌ خاصَّةٌ بذاتِ الذنب؛ لأنَّ اللهَ لا يَجْمَعُ على عبدِه عقوبتَيْنِ؛ ففي "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ عُبَادَةَ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ) (٢).
وقيل: بأنَّ الحدودَ لا تُكفِّرُ الذنبَ حتى يُتابَ منه؛ استدلالًا بما رُوِيَ مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لأَهْلِهَا أَمْ لَا! ) (٣)، وهو حديثٌ مُنكَرٌ أَعَلَّهُ البخاريُّ؛ حيثُ أخرَجَ خلافَهُ؛ بل قال: لا يَثْبُتُ.
والصوابُ فيه الإرسالُ مِن مُرسَلِ الزهريِّ (٤).
* * *
(١) أخرجه البخاري (٢١٥٣) (٣/ ٧١)، ومسلم (١٧٠٣) (٣/ ١٣٢٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦٨٠١) (٨/ ١٦٢).
(٣) أخرجه البزار في "مسنده" (٨٥٤١) (١٥/ ١٧٦)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٦) و (٢/ ١٤ و ٤٥٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٣٢٩).
(٤) "التاريخ الكبير" للبخاري (١/ ١٥٣).