عهدُ اللهِ إلى بني إسرائيل الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -:
بيَّنَ اللهُ لهم شيئًا مِن شِرْعَتِهِ القادمةِ عليهم، وما يُحِلُّ لهم وما يحرِّمُ، وأولُ أعمالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التوراةِ: الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ، وذكَرَ عيسى لهمُ اسمَهُ، وهو كذلك في الإنجيلِ؛ قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} الصف: ٦.
وهذا غايةٌ في التعريفِ والبيانِ، ومع هذا الوضوحِ أخَذَ اللهُ عليهم العهدَ لَيُؤْمِنُنَّ به ولَيَتَّبِعُنَّه، وقد كان التشديدُ مِن اللهِ على بني إسرائيلَ واليهودِ خاصَّةً في أمرِ اتِّباعِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأمورٍ؛ منها:
أولًا: أنَّهم هم أقربُ أُمَّةٍ مِن أهلِ الكتابِ لنبوَّةِ محمدٍ، والناسُ مِن الوثنيِّينَ وغيرِهم ينظُرُونَ إليهم ويتيمَّنون بهم؛ فإنَّ انصرافَهم عن اتباعِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فتنةٌ لغيرِهم يَبُوءُونَ بها.
ثانيًا: أنَّهم معروفونَ بنقضِ العهودِ والمواثيقِ؛ فشدَّدَ اللهُ عليهم بوجوبِ الوفاءِ، وبيَّن لهم بيِّناتٍ ودلالاتٍ على رسالةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ممَّا لم يتَّضحْ عندَ غيرِهم.
وفي هذا: أنَّ الإنسانَ الذي يُعرَفُ بنقضِ العهدِ والمكرِ والخديعةِ، يشدَّدُ عليه في لزومِ العهدِ والميثاقِ، ويؤكَّدُ ذلك، ويراجَعُ في وضوحِ الحُجَّةِ والبيِّنةِ عندَ التعَاقُدِ؛ حتى تُغلَقَ منافذُ العنادِ عليه، وتقامَ الحُجَّةُ عليه مِن جميعِ وجوهِها.
ثالثًا: لمَّا كانوا أعلَمَ الناسِ بصفاتِ نبوَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِن قومِهِ المشرِكِينَ، ولأنَّه كلَّما كانتِ البيِّنةُ على الإنسانِ أوضحَ، كان العقابُ عليه أشدَّ -: أرادَ اللهُ رحمةً بهم أنْ يُقِيمَ عليهم الحُجَّةَ بالعهدِ والميثاقِ