أنَّ عقابَ التركِ شديدٌ أليمٌ؛ فالنقض وبالٌ عليهم في الدُّنيا والآخرةِ، فألزَمَهم بعهدٍ فوقَ البيِّناتِ؛ حتى لا يَحِلَّ عليهم عقابُهُ سبحانَهُ، والتشديدُ يُزِيلُ الأوهامَ، ويطرُدُ الشبهاتِ ولو ضَعُفَتْ، ويزهِّدُ في الشهواتِ ولو قَوِيَتْ؛ فلا يخالِفُ حينَها إلا معانِدٌ مكابِرٌ.
روى ابنُ جريرٍ؛ مِن حديثِ عِكْرِمةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ قال: قال مالكُ بن الصَّيْفِ - حينَ بُعِثَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وذَكَرَ ما أُخِذَ عليهم مِن الميثاقِ، وما عهد اللهُ اليهم فيه -: والله ما عَهِدَ إلينا في محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وما أخَذَ له علينا ميثاقًا! فأنْزَلَ اللَّهُ - جلَّ ثناؤُهُ -: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} (١).
واليهودُ والنصاري كتَمُوا رسالةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -, بل حرَّفُوا مواضعَ النصوصِ الدالَّةِ عليه وعلى رسالتِه؛ قلَبُوها حروفًا، وما لم يُقلَبْ حرفًا، قلَبُوهُ معنًى؛ قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة: ٤٢؛ أيْ: يكتُمون نبوَّتَهُ، مع علمِهم بها.
وروى ابنُ جريرٍ؛ مِن حديثِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ؛ في قولِ اللهِ: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ قال: يكتُمُ أهلُ الكتابِ محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وهم يَجِدُونَهُ مكتوبًا عندهم في التوراةِ والإنجيلِ (٢).
وروى ابنُ جريرٍ أيضًا؛ من حديثِ عِكْرِمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عباسٍ: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ}، يقولُ: لا تكتُموا ما عندَكم مِن المعرفةِ برسولي وما جاء به, وأنتم تَجِدُونَهُ عندَكم فيما تعلَمون مِن الكتبِ التي بأيدِيكم (٣).
وبيَّن اللهُ أنَّ العهد الذي أخَذَهُ عليهم نُقِضَ مِن قِبَل فريقٍ منهم:
(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٣٠٨).
(٢) "تفسير الطبري" (١/ ٦٠٩).
(٣) "تفسير الطبري" (١/ ٦٠٩).