النفوسَ يَقْصُرُ نظرُها، ولا تنظُرُ إلى جميعِ الوجوهِ؛ لِيَصِحَّ لها النظرُ، فيَصِحَّ لها الحُكْمُ.
والنهيُ هنا للأمانيِّ الباطِلةِ التي يظهَرُ منها الاعتراصُ والكراهيةُ لتقديرِ اللهِ وحُكْمِه؛ كتمنِّي المرأةِ ميراثَ الرجُل، وتمنِّي الرجُلِ مهرَ المرأةِ؛ فقد قالتْ أمُّ سلَمةَ: يا رسولَ الله، لا نُعطَى الميراثَ، ولا نَغْزُو في سبيلِ اللهِ فنُقتَلَ؟ فنزلَتْ، {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (١).
ورُوِيَ أنَّها قالتْ: يا رسولَ الله، تغزو الرجالُ ولا نغزو، وإنَّما لنا نِصْفُ الميراثِ! فنزَلَتْ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}، ونزَلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الأحزاب: ٣٥ (٢).
عدلُ اللهِ في تساوي الجنسَيْنِ في الأجور:
فالله ما خَصَّ جنسًا بعملٍ صالحٍ، إلَّا وجعَلَ للجنسِ الآخَرِ مِن العملِ ما يُساوِيهِ في الأجرِ خاصًّا بجنسِه؛ كما في الجهادِ؛ فالله كتَبَهُ على الرِّجال، ولم يَحْرِمِ النَّساءَ مِن أجرِه؛ كما جاء عن عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، عَلَى النَّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: (نَعَمْ؛ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) (٣).
وهذا مِن عدلِ اللهِ وحِكْمَتِه وفَضْلِه.
وهكذا في كلِّ شخصٍ؛ لا يَحْرِمُ اللهُ أحدًا مِن عملٍ إلَّا جعَلَ غيرَهُ يُساوي ما يَعجِزُ عنه؛ كالمشلولِ الذي لا يستطيعُ القيامَ والقعودَ والحَرَكةَ، لم يفوِّتِ اللهِ عليه الأجورَ، بل جعَلَ فيما يستطيعُهُ مِن
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٦٦٣).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٦٦٤).
(٣) أخرجه أحمد (٢٥٣٢٢) (٦/ ١٦٥)، وابن ماجه (٢٩٠١) (٢/ ٩٦٨).