العباداتِ القوليَّةِ عوضًا للبدنيَّةِ التي تَفُوتُهُ، فتكونُ في حقِّه أعظَمَ مِن غيرِهِ؛ ليُدرِكَ غيرَهُ في الأجرِ.
وهذا في حالِ الممنوعِينَ؛ سواءٌ بعجزٍ بدنيٍّ، أو بحُكْمٍ شرعيٍّ، وأمَّا التاركُ القادِرُ، فمحرومٌ مِن العملِ الصالِحِ.
كراهةُ تمنِّي ما لا يمكِنُ تحقُّقُهُ:
ولا ينبغي تمنِّي ما لا يُمكِنُ تحقُّقُهُ أو يصعُبُ تحقُّقُهُ؛ فإنَّ هذا يُورِثُ العجزَ والحَسَدَ وتمنِّيَ زوالِ نِعْمةِ الغير، وربَّما أَوْرَثَ الاعتراضَ على قَدَرِ الله، والواجب سؤالُ اللهِ مِن فَضْلِه؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: "لا يتمنَّى الرجلُ يقولُ: "لَيْتَ أنَّ لي مالَ فلانٍ وأهلَه! "؛ فنَهَى اللهُ سبحانَه عن ذلك، ولكن لِيَسْألِ اللهَ مِن فَضْلِه" (١).
والنهيُ عن تمنِّي مالِ الغيرِ خاصٌّ بمَن يتمنَّاهُ لأجلِ الدُّنيا تكثُّرًا ومُتْعةً، ومَن تمنَّاهُ ليعمَلَ كعملِهِ الصالحِ مِن النفقةِ والبذلِ في سبيلِ الله، فلا بأسَ بذلك، فتمنِّي الخيرِ لفعلِهِ جائزٌ؛ كما تمنَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشهادةَ في سبيل الله مرَّاتٍ، وقد روى أَبُو هُرَيْرَةَ؛ قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنّهَار، يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله مَالًا يُنْفِقُهُ فِي حَقِّه، فَيَقُولُ؛ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ) (٢).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا الدَّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَه الله مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا؛ فَهَذَا بِأفْضَلِ المَنَازِل، وَعَبْدٍ رَزَقهُ الله عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ؛ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٦٦٤)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (٧٢٣٢) (٩/ ٨٤).