أَسْتَزِيدُهُ وَيريدُنِي، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" (١).
وهذا بلا شك يدل على أنه قد قرأ على هذه الأحرف السبعة؛ ليتعلّمها منه أصحابه، وينقلوها إلى الأمة من بعده.
وقد كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعرض القرآن على جبريل عليه السلام، في رمضان من كلِّ سنة، فيُثْبِت الله ما يشاء، وينسخ ما يشاء، أو يأمر بالقراءة على حرف أو أكثر من الأحرف السبعة. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ: أَي الْقِرَاءَتَيْنِ كَانَتْ أَخِيرًا قِرَاءَةُ عَبْدِ اللهِ أَوْ قِرَاءَةُ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْنَا: قِرَاءَةُ زَيْدٍ، قَالَ: لا؛ إِلَّا أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرَائيلَ عَامٍ مَرةً، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَرَضَهُ عَلَيْهٍ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَتْ آخِرَ الْقِرَاءَةِ قِرَاءَةُ عَبْدِ الله (٢).
قال ابن عبد البَرِّ: وقد يُشكل هذا القول على بعض الناس، فيقول: هل كان جبريل يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات فيُقال له: إنَّما يلزم هذا إن قلنا: إن السبعة الأحرف تجتمع في حرف واحد، ونحن قلنا: كان جبريل يأتي في كل عرضةٍ بحرف، إلى أن تَمُرَّ سبعةٌ (٣).
ولقد أجمع الأصوليون والفقهاء على أنه لم يتواتر شيء مما زاد على القراءات العشر، وما وراء العشر لا يحكم بقراءتها، ولا تجوز القراءة بها في الصلاة ولا خارجها لفقدها أحد أركان القراءة الصحيحة وهي:
١ - موافقة الرسم العثماني.
٢ - موافقة وجه من أوجه اللغة العربية.
٣ - صحة سندها.
ولكن تجوز قراءتها ومعرفتها من باب الاستدلال بها لغةً كقراءة قوله تعالى في سورة الحجرات {وَلَا تَجَسَّسُوا} (ولا تحسسوا) (٤)، أو استنباط لحكم فقهي كقراءة ابن مسعود
(١) حديث صحيح الإسناد. أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، بَاب أُنْزِلَ الْقُرآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ (٤٩٩١) عن عَبْدِ الله بْنِ عباسٍ.
(٢) حديث حسن الإسناد. أخرجه أحمد في مسنده (١/ ٢٧٥) عن ابن عباس.
(٣) نقلًا عن البرهان في علوم القرآن (١/ ٢٢٠).
(٤) المعنيان متقاربان يقال: تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه، تفعّل من الجس، كما أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس لما في اللمس من الطلب، وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالى {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ}.=