باب المقطوع عند علماء الرواية، إلا أن منها ما وقعت الوجادة في إسناده، من أحد شيوخ مسلم خاصة، على ما سنبينه.
فمن ذلك حديثٌ أخرجه في "كتاب الفضائل" (١) فقال فيه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتفقد، يقول: "أين أنا اليوم؟ ، أين أنا غدا؟ " استبطاء اليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي، قبضه الله بين سَحْرِي ونَحْرِي.
قلت: هكذا أورده مسلم، ولم يخرجه في كتابه إلا في هذا الموضع وحده فيما علمت، بهذا الإسناد، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" متصلا من غير وجادة، وهو ما أخبرنا أبو القاسم، هبة الله بن علي السعودي الأنصاري، أنا أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي، أخبرتنا كريمة بنت أحمد المروزية، أنا أبو الهيثم الكشميهني، أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري، أنا محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا إسماعيل، ثنا سليمان، عن هشام رحمه اللهُ قال: وحدثني محمد بن حرب، ثنا أبو مروان، يحيى بن أبي زكرياء، عن هشام، عن عروة، عن عائشة، قالت: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتعذر في مرضه، أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاءا ليوم عائشة، فلما كان يومي، قبضة الله بين سحري ونحري، ودفن في بيتي عليهم السلام اهـ.
وأخرجه أيضًا عن عبيد بن إسماعيل الكوفي، عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هكذا مرسلا، إلا أنه قال في آخره: قالت عائشة: فلما كان يومي سكن. وهذا متصل، والله أعلم.
ويحيى بن أبي زكريا المذكور في هذا الإسناد، هو الغساني شامي، وربما اشتبه بيحيى بن زكريا الكوفي، وهو ابن أبي زائدة؛ لاشتراكهما في الرواية عن هشام بن عروة، والأول يكنى أبا مروان، وابن زائدة يكنى أبا سعيد همداني.
وقوله في هذه الرواية التي أوردناها من طريق البخاري: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتعذر، قال الخطابي: معناه يتعسر، ويتمنع، وأنشد:
وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الْكَتِيبِ تَعَذَّرَتْ
وأكثر الرواة يرويه: "ليتقدر" بالقاف من التقدير. وفي كتاب مسلم: "ليتفقد" من الافتقاد كما أوردناه. وقولها: "بين سحري ونحري" والمسحر بفتح السين المهملة، وضمها: الرئة، وقال بعضهم: هو ما بين ثدييها، والله أعلم.
(١) "باب فضل عائشة" ٤/ ١٨٩٣ حديث ٨٤.