ومن ذلك حديثان، إسنادهما واحد، رواهما مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة أيضًا، قال أبو بكر في كل واحد منهما: وجدت في كتابي عن أبي أسامة، إلا أن مسلما رحمه اللهُ رواهما عن أبي كريب أيضًا، عن أبي أسامة، فاتصلا من طريق أبي كريب. اهـ.
(٣٨) - فأحد الحديثين أخرجه في "الفضائل" من حديث أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غَضْبَى ... " الحديث.
(٣٩) - والآخر أخرجه في "النكاح" من حديث أبي أسامة أيضًا، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ... الحديث. وقد بينا أنهما متصلان في الكتاب، من رواية أبي كريب، عن أبي أسامة، من غير وجادة. وبالله التوفيق.
فصل: ووقع في الكتاب أيضًا أحاديث مرسلة، وفيها ما وقع الإرسال في بعضه خاصة، فأحببت أن ألحقها بما تقدم؛ لكونها داخلة في معناه؛ لأن كل ما لم يتصل فهو مقطوع في المعنى، إلا أن منه ما يوافق معناه التسمية المصطلح عليها، فيكون اسمه ومعناه واحدا، ومنه ما يكون له تسمية أخرى، على أن جمهور المتقدمين من علماء الرواية يسمون ما لم يتصل إسناده مرسلًا، سواء كان مقطوعا، أو معضلًا، إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال، من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان معنى الجميع عدم الإتصال، والله عز وجل أعلم.
فمن الأحاديث المرسلة: حديث يشتمل على ثلاثة أحاديث، اثنان مرسلان، والثالث متصل، أخرجه في "كتاب البيوع"، فقال فيه: وحدثني محمد بن رافع، ثنا حُجَين، ثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزابنة، والمحاقلة، والمزابنة أن يباع ثمر النخل بالتمر، والمحاقلة أن يباع الزرع بالقمح واستكراء الأرض بالقمح، قال: وأخبرني سالم بن عبد الله، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبتاعوا الثمر بالتمر"، وقال سالم: أخبرني عبد الله، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب، أو بالتمر، ولم يرخص في غير ذلك.
قلت: هكذا أورده مسلم رحمه اللهُ في كتابه.
فإن قيل: كيف اختار إخراج المراسيل في "صحيحه"، وليست من شرطه، ولا داخلة في رسمه؟ .
فالجواب أن مسلما رحمه اللهُ من عادته أن يورد الحديث كما سمعه، وكان هذا الحديث