عنده عن محمد بن رافع، على هذه الصفة، فأورده كما سمعه منه، ولم يحتج بالمرسل الذي فيه، وإنما احتج بما في آخره من المسند، وهو حديث سالم، عن عبد الله، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رَخّص بعد ذلك في بيع العرية ... الحديث. فهذا القدر الذي احتج به مسلم منه.
فإن قيل: فقد كان يمكنه أن يقتصر على هذا المسند خاصة، ويحذف ما فيه من المرسل، ولا يطول كتابه بما ليس من شرطه؟ .
قيل: هذه مسألة اختلف العلماء فيها، فمنهم: من أجاز تقطيع الحديث الواحد، وتفريقه في الأبواب، إذا كان مشتملا على عدة أحكام، كل حكم منها مستقل بنفسه، غير مرتبط بغيره، كحديث جابر الطويل في الحج ونحوه. ومنهم من منع ذلك، واختار إيراد الحديث كاملا كما سمعه، والظاهر من مذهب مسلم رحمه اللهُ إيراد الحديث بكامله، من غير تقطيع له، ولا اختصار، إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان، أو نحوه. والله عز وجل أعلم.
فإن قيل: فهل يُسنَد هذان المرسلان من وجه يصح؟ .
قيل: نعم كلاهما مسند متصل في "الصحيح"، أما حديث سعيد بن المسيب، فقد أخرجه مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومن حديث سعيد بن ميناء، وأبي الزبير، كلاهما عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأخرجه أيضًا هو والبخاري من حديث عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فثبت اتصاله.
وأما حديث سالم، فقد أخرجه مسلم من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحوه. وأخرجه البخاري في "صحيحه" متصلا من الوجه الذي أورده مسلم مرسلًا، وهو:
ما أخبرنا الشيخ أبو علي ناصر بن عبد الله الفقيه بالحرم الشريف، تجاه الكعبة المعظمة، أنا أبو الحسن، علي بن حميد بن عمار المقرىء بمكة شرفها الله، أنا أبو مكتوم، عيسى بن أبي ذر الهروي، أنا أبي، أنا عبد الله بن أحمد السرخسي، وإبراهيم ابن أحمد المستملي، ومحمد بن مكي الكشميهني، قالوا: أنا محمد بن يوسف الفربري، أنا محمد بن إسماعيل البخاري رَحمهُ الله وأخبرنا عاليا أبو القاسم الخزرجي، واللفظ له، أنا محمد بن بركات السعيدي، أخبرتنا كريمة، أنا أبو الهيثم الكشميهني، أنا الفربري، أنا البخاري، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب، أخبرني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبيعوا الثمر بالتمر". قال سالم: وأخبرني عبد الله، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب، أو بالتمر،