عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال لنبيّه -صلى الله عليه وسلم-: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} الآية.، وقال أهل الجنّة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} الآية، {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فهي كلمة كلّ شاكر.
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: الصحيح أن الحمد ثناءٌ على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان، وعلى هذا الحدّ قال علماؤنا: الحمد أعمّ من الشكر؛ لأن الحمد يقع على الثناء، وعلى التحميد، وعلى الشكر، والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفًا، فصار الحمد أعمّ في الآية (١)؛ لأنه يزيد على الشكر.
ويذكر الحمد بمعنى الرضى، يقال: بَلَوته، فَحَمِدتُه: أي رضيته، ومنه قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (٢).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكر ما تقدّم عن ابن جرير، من استدلاله بقول القائل: الحمد للَّه شكرًا: ما نصّه: وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظرٌ؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخّرين أنّ الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة، والمتعدّية، والشكر لا يكون إلا على المتعدّية، ويكون بالجنان، واللسان، والأركان، كما قال الشاعر من الطويل:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا
ولكنّهم اختلفوا أيّهما أعمّ، الحمد، أو الشكر؟ ، على قولين، والتحقيق أن بينهما عمومًا وخصوصًا، فالحمد أعمّ من الشكر، من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة، والمتعدّية، تقول: حمدته لفروسيّته، وحمدته لكرمه، وهو أخصّ؛ لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعمّ من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون بالقول، والفعل، والنيّة، كما تقدّم، وهو أخصّ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدّية، لا يقال: شكرته لفروسيّته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرّره بعض المتأخّرين والله أعلم.
وقال أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ: الحمد نقيض الذّمّ، تقول: حمدت الرجل أحمَدُهُ حمدًا، ومَحْمَدَةً، فهو حميدٌ، ومحمودٌ. والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشكر.
(١) هكذا نسخة القرطبيّ، ولعل الصواب "في الدلالة". والله تعالى أعلم.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ١٣٣ - ١٣٤.