إما بخَرَف، أو ضرَر، أو مرض، أو عَرَض، من موت ابن، وسَرِقة مال، كالمسعوديّ، أو ذهاب كُتُب، كابن لَهيعة، أو احتراقها، كابن الْمُلقِّن. قاله الحافظ السخاويّ (١).
والفرق بينه، وبين الاختلاف الشديد، أن المراد بالاختلاف هو اختلافه مع الرواة الآخرين من الثقات، وأما التخليط، فهو تناقضه في مرويّات نفسه، بأن يروي الحديث الواحد تارة بأسلوب، وتارةً بأسلوب آخر، من الزيادة والنقص، ونحوهما. والله تعالى أعلم.
وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إذا خَلَّطَ الثقة؛ لاختلال ضبطه، بخَرَف، أو هَرَمٍ، أو لذهاب بصره، أو نحو ذلك، قُبل حديثُ مَن أخذ عنه قبل الاختلاط، ولا يُقبَل حديثُ مَن أخذ بعد الاختلاط، أو شككنا فى وقت أخذه انتهى (٢).
وإلى هذه المسألة أشار الحافظ السيوطيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "ألفية المصطلح" بقوله:
وَالْحَازِمي أَلَّفَ فِيمَنْ خَلَّطًا ... مِنَ الثِّقَاتِ آخِرًا فَأُسْقِطَا
مَا حَدَّثُوا فِي الاخْتِلَاطِ أَوْ يُشَكّ ... وَبِاعْتِبَارِ مَنْ رَوَى عَنْهُمْ يُفَكّ
كَابْنِيْ أَبِي عَرُوبَةٍ والْسَّائِبِ ... وَذَكَرُوا رَبِيعَةً لَكِنْ أُبِي
تنبيه: الأحاديث المرويّة عن الْمُخَلِّطِين في "الصحيحين" إذا أورداها احتجاجًا بها، بأن كانت في الأصول، فهي مما عُلم أنها أخذت قبل الاختلاط، وكذا حكم كلّ من التزم الصحّة في كتابه، كما بيّن ذلك ابن حبّان في أول "صحيحه". والله تعالى أعلم.
ووصف التخليط بقوله (فاحشٌ) إشارةً إلى أنه إذا لم يفحش التخليط لا يؤثّر في رواياته.
(كما قد عُثِر) بضم العين المهملة، وكسر الثاء المثلّثة، مبنيًّا للمفعول: أي اطُّلِع، يقال: عَثَرْتُ على الأمر عَثْرًا من باب قتل، وعُثًورًا: أي اطلعت عليه. وفي التنزيل العزيز: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} الآية المائدة: ١٠٧: أي فإن اطُّلِع على أنهما قد خانا.
وأعثرت غيري: أي أطلعته، قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} الآية الكهف: ٢١: أي أطلعنا عليهم غيرهم، فحذف المفعول. أفاده ابن منظور (٣).
قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وقوله "كما قد عُثر فيه" كذا في الأصل، وهو
(١) راجع "فتح المغيث" ٤/ ٢٧١.
(٢) "مقدمة شرح صحيح مسلم" ١/ ٣٤.
(٣) راجع "لسان العرب".