الحفظ، فهو المنع من الضَّيَاع، يقال: حَفِظْتُ المال وغيره حِفْظًا، من باب عَلِمِ: إذا منعه من الضَّيَاع والتّلَف، وحفِظتُهُ: صُنته عن الابتذال. أفاده الفيّوميّ، فيكون المراد بالإتقان تمام الحفظ والضبط. والله تعالى أعلم.
(وَأَنَّهُمْ) بفتح الهمزة لكونه معطوفًا على "الذي"، أي ولأن أهل العلم بالحديث (لَمْ يَعْرِفوا مِثْلَ ذلِكَ) أي مثل حفظ منصور، والأعمش، وإسماعيل، وإتقانهم لمروياتهم (مِنْ عَطَاءٍ) أي ابن السائب (وَيَزِيدَ) أي ابن أبي زياد (وَلَيْثٍ) أي ابن أبي سُلَيم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسألتان تتعلّقان بما سبق من كلام الإمام مسلم رحَمه اللهُ تعالى.
المسألة الأولى: قال النوويّ رحمه الله تعالى، ما حاصله: قد يُنكَر على مسلم رحمه الله تعالى في صنيعه هذا، حيث إنه خالف عادة أهل العلم، فإنهم إذا ذكروا جماعةً في سياق مثل هذا السياق، قدّموا أجلّهم مرتبةً، فيقدّمون الصحابيّ على التابعيّ، والتابعيّ على تابعه، والفاضل عن من دونه.
فإذا تقرّر هذا، فإسماعيل بن أبي خالد تابعيّ مشهور، رأى أنسَ بن مالك، وسلمةَ بن الأكوع، وسمع من عبد الله بن أبي أوفى، وعمرو بن حُريث، وقيس بن عائذ، أبي كاهل، وأبي جُحيفة، وهؤلاء كلّهم صحابة -رضي الله عنهم-.
وأما الأعمش، فقد رأى أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وأما منصور بن المعتمر فليس بتابعيّ، وإنما هو من أتباع التابعين، فكان ينبغي أن يقول: إذا وازنتهم بإسماعيل، والأعمش، ومنصور.
والجواب عنه: أنه ليس المراد هنا التنبيه على مراتبهم، فلا حجر في عدم ترتيبهم.
ويحتمل أن مسلمًا قدّم منصورًا؛ لرجحانه في ديانته، وعبادته، فقد كان أرجحهم في ذلك، وإن كان الثلاثة راجحين على غيرهم، مع كمال حفظ منصور، وإتقانه، وتثبّته. قال عليّ بن المدينيّ: إذا حدّثك ثقة عن منصور، فقد ملأت يديك، لا تزيد غيره. وقال عبد الرحمن بن مهديّ: منصورٌ أثبت أهل الكوفة. وقال سفيان: كنت لا أحدّث الأعمش عن أحد من أهل الكوفة إلا ردّه، فإذا قلت: عن منصور، سكت. وقال أحمد بن حنبل: منصور أثبت من إسماعيل بن أبي خالد. وقال يحيى بن معين: إذا اجتمع الأعمش، ومنصورٌ، فقدِّم منصورًا. وقال أبو حاتم: منصورٌ أتقن من الأعمش، لا يُخَلِّطُ، ولا يُدَلِّسُ. وقال الثوريّ: ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور. وقال أبو زرعة: سمعت إبراهيم بن موسى يقول: أثبت أهل الكوفة