منصورٌ، ثم مسعرٌ. وقال أحمد بن عبد الله: منصورٌ أثبت أهل الكوفة، وكان مثل القدح، لا يَختَلِف فيه أحدٌ، وصام ستّين، وقامها. وأما عبادته، وزهده، وورعه، وامتناعه من القضاء حين أُكره عليه، فأكثرُ من أن يحصر، وأشهر من أن يُذكر رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى بتصرّف يسير.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الجواب الثاني هو الصواب؛ لأمرين:
أحدهما: أن الجواب الأول يردّه أن عادة أهل العلم في تقديم الأفضل، فالأفضل، ليس قاصرًا على التنبيه على مراتبهم، بل عادتهم تقديم الأفضل مطلقًا.
الثاني: أن الجواب الثاني يوافق عادتهم، حيث إنه قدّم الأفضل، على ما بيّنه في كلامه المذكور، فلم يخالف بذلك مسلم عادتهم، ومما يؤيّد هذا أن كلام مسلم رحمه الله تعالى هنا هو التمييز بين أهل الحفظ، والإتقان، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه في التقديم، فكان من حقّ منصور أن يُقدّم على إسماعيل، والأعمش، ويأتي الكلام هذا في تقديم الأعمش على إسماعيل، فإنه مقدّم في الحفظ والإتقان عليه، كما تقدّم من بيان ترجمتهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثانية: قد ذكر الإمام مسلم رحمه الله تعالى هنا الأعمش بلقبه، وهذا أول موضع في الكتاب جرى فيه ذكر أصحاب الألقاب، فلنذكر القاعدة التي وضعها أهل العلم في ذلك.
قال النوويّ رحمه الله تعالى: قال العلماء من أصحاب الحديث، والفقه، وغيرهم: يجوز ذكر الراوي بلقبه، وصفته، ونسبه الذي يكرهه، إذا كان المراد تعريفَهُ، لا تنقيصَهُ، وجُوِّز هذا للحاجة، كما جُوِّز جرحهم للحاجة، مثال ذلك الأعمش، والأعرج، والأحول، والأعمى، والأصمّ، والأشلّ، والأثرم، والزَّمِنُ، والمفلوج، وابن عُلَيّة، وغير ذلك، وقد صُنِّفت فيه كُتبٌ معروفة. انتهى (١).
وقال في "التقريب" مع شرحه "التدريب". ولا بأس بذكر من يُروَى عنه بلقب، كغُنْدَر، أو وصفٍ، كالأعمش، أو حِرْفَةٍ، كالحنّاط، أو أُمّ، كابن عُليّة، وإن كَرِهَ ذلك، إذا عُرِفَ بها، وقُصِدَ تعريفُهُ، لا عيبُهُ. انتهى (٢).
وقال الحافظ السيوطيّ رحمه اللهُ في "ألفيّة الحديث":
وَذِكْرُهُ بِالْوَصْفِ أَوْ بِاللَّقَبِ ... أَوْ حِرْفَةٍ لا بأْسَ إِنْ لم يَعِبِ
انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(١) "شرح مسلم" ١/ ٥٢ - ٥٣.
(٢) "تدريب الراوي" ج ٢/ ١٣٧.