كله محاسن، والركة ترجع إلى الرداءة، فبينها وبين مقاصد الدين مباينة، وأما ركة اللفظ وحدها، فلا تدلّ على ذلك؛ لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمعنى، فعبّر بألفاظ غير فصيحة، من غير أن يُخلّ بالمعنى. نعم إن صرّح الراوي بأن هذا لفظ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دلّت ركّة اللفظ حينئذ على الوضع. انتهى.
قال البقاعيّ رحمه الله تعالى: ومما يرجع إلى ركّة المعنى الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير في حديث القُصّاص. قال ابن الجوزيّ رحمه الله تعالى: وإني لأستحيي من وضع أقوام، وضعوا: من صلى كذا، فله سبعون دارًا، في كل دار سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف سرير، على كل سرير سبعون ألف جارية، وإن كانت القدرة لا تعجز، ولكن هذا تخليط قبيح. وكذلك يقولون: من صام يوما، كان كأجر ألف حاجّ، وألف معتمر، وكان له ثواب أيوب، وهذا يفسد مقادير موازين الأعمال.
ومنها: ما ذكره فخر الدين الرازيّ رحمه اللهُ تعالى أن يُروى الخبر في زمن قد استُقْرِئت فيه الأخبار، ودُونت، فيفتّش عنه، فلا يوجد في صدور الرجال، ولا في بطون الكتب، فأما في عصر الصحابة، وما يقرب منه حين لم تكن الأخبار استُقرئت، فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره.
قال الحافظ العلائيّ رحمه اللهُ تعالى: وهذا إنما يقوم به -أي بالتفتيش عنه- الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث، أو معظمه، كالإمام أحمد، وعلي بن المدينيّ، ويحيى بن معين، ومن بعدهم، كالبخاريّ، وأبي حاتم، وأبي زرعة، ومن دونهم، كالنسائيّ، ثم الدارقطنيّ؛ لأن المآخذ التي يُحكم بها غالبًا على الحديث بأنه موضوع إنما هي جمع الطرق، والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية، بحيث يُعرف بذلك ما هو من حديث الرواة، مما ليس من حديثهم، وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة، فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع هذا مما يأباه تصرفهم. انتهى.
قال ابن عرّاق: فاستفدنا من هذا أن الحفاظ الذين ذكرهم، وأضرابهم، إذا قال أحدهم في حديث لا أعرفه، أو لا أصل له، كفى ذلك في الحكم عليه بالوضع. والله أعلم.
ومنها: كون الراوي رافضيّا، والحديث في فضائل أهل البيت، أو في ذمّ من حاربهم.
ومنها: أن يكون فيه "وأُعْطِي ثواب نبيّ"، أو "النبيين"، ونحوهما. والله تعالى أعلم.