النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا سبق إلا في نصل، أو خفّ، أو حافر، أو جناح"، فأمر له المهديّ ببدرة (١)، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال المهديّ: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه القصّة في صحتها نظر أيضًا، فلوائح النكارة ظاهرة عليها، فليتنبّه. والله تعالى أعلم.
وَخَامِسُ الأَصْنَافِ أَهْلُ الْغَرَضِ ... كَمَنْ يقُصُّ كَاذِبًا ذَا مَرَضِ
وَالشَّاحِذِينَ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ ... لِلأُمَرَاءِ آخِذًا مَا يَطْلُبُ
كَبَعْضِ مَنْ قَصَّ بِأَنَّ عُمَرَا ... نُورٌ لِلإِسْلَامِ فِبِئْسَمَا افْتَرَى
وَمِنْهُ مَا افْتَرَاهُ بَعْضُ الْمُعْتَدِي ... عَلَى ابْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى الْمُهْتَدِي
وَالذَّهَبِيُّ أَنْكَرَ الحِكَايَهْ ... فَاللهُ أَعْلَمُ لَنَا حِمَايَهْ
كَذَاكَ تَكْبِيرٌ أَتَى مِنْ سَائِلِ ... ثَلَاثًا افْتَرَاهُ غَيْرُ عَاقِلِ
كَذَا غِيَاثٌ فِي حَدِيثِ "مَنْ سَبَقْ" ... زَادَ "جَنَاحًا" بِئْسَمَا لَهُ اخْتَلَقْ
وَصَلَهُ الْمَهْدِي بِبَدْرَةٍ فَمَا ... أَحْسَنَ فِي هَذَا وَلَكِنْ عِنْدَ مَا
قَدْ ذَبَحَ الْحَمَامَ وَاللَّهْوَ رَفَضْ ... خَفَّفَ مَا لَهُ مِنَ اللَّوْمِ عَرَضْ
الصنف السادس: قوم حملهم الشره، ومحبة الظهور على الوضع، فجعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف إسنادًا صحيحا مشهورًا، وجعل بعضهم للحديث إسنادًا غير إسناده المشهور، ليُستغرب، ويُطلب، قال الحاكم أبو عبد الله: ومن هؤلاء إبراهيم بن اليسع، وهو ابن أبي حية، كان يحدث عن جعفر الصادق، وهشام بن عروة، فيركب حديث هذا على حديث ذاك؛ لتستغرب تلك الأحاديث بتلك الأسانيد، قال: ومنهم حماد بن عمرو النصيبيّ، وبهلول بن عُبيد، وأصرم بن حوشب. قال الحافظ: وهذا داخل في قسم المقلوب. وقال القاضي تاج الدين السبكيّ في "طبقات الشافعية الكبرى" نقلًا عن السؤالات الحديثية التي سأل الحافظ أبو سعدان عليك عنها الأستاذ أبا إسحاق الإسفراينيّ: إن من قلب الإسناد؛ ليُستغرب حديثه، ويُرغب فيه، يصير دجّالًا كذّابًا، تسقط به جميع أحاديثه، وإن رواها على وجهها.
ومنهم: من كان يدّعي سماع ما لم يسمع، قال ابن الجوزيّ: حدّث عبد الله بن إسحاق الكرمانيّ عن محمد بن يعقوب، فقيل له: مات محمد قبل أن تولد بتسع سنين. وحدّث محمد بن حاتم الكشيّ عن عبد بن حُميد، فقال أبو عبد الله الحاكم: هذا
(١) بفتح الباء، وسكون الدال: عشرة آلاف درهم. وقيل: غير ذلك.