ابن يحيى -واللفظ له- قال: قرأت على مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها-، عن جُدامة بنت وهب الأسديّة أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ... " الحديث. قال مسلم: وأما خلف فقال: عن جُذامة الأسديّة، والصحيح ما قاله يحيى بالدال. انتهى. وأيد الدارقطنيّ ما قاله مسلم، حيث قال: وهي بالجيم والدال غير معجمة، ومن ذكرها بالذال فقد صحّف. انتهى (١).
ومنها: قوله في آخر حديث أنس -رضي الله عنه-: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرّة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذَرَّة" (٢). فصحف شعبة: "ذَرّة" بفتح الذال، وتشديد الراء إلى "ذُرَة" بضم الذال، وتخفيف الراء.
ومنها: بيانه الإدراج في الحديث، فقد أخرج حديث الملاعنة من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعدن أن عويمرًا الأنصاري ... قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله ... الحديث، ثم أخرجه أيضًا عن سهل بن سعد، ثم قال: وساق الحديث بمثل حديث مالك، وأدرج في الحديث قوله: "وكان فراقه إياها بعدُ سنة في المتلاعنين"، وزاد فيه: قال سهل: فكان حاملًا، فكان ابنها يُدعى إلى أمه، ثم جرت السنة أنه يرثها ... الخ. وهذا من المدرج وسط المتن.
ومن الإدراج في آخره ما أخرجه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ... " قال: وأحبّ القيد، وأكره الغلّ، والقيد ثبات في الدين، فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين. ثم أتبعه طريقًا آخر، وفيه: وقال في الحديث: قال أبو هريرة: فيُعجبني القيد، وأكره الغلّ، والقيد ثبات في الدين، ثم أعقبه طريقًا آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. قال مسلم: وأدرج في الحديث قوله: "وأكره الغلّ ... ". فقد بيّن بإدراج ذكر القيد والغلّ، وقد صرّح بذلك الخطيب البغداديّ.
ومنها: أنه ربما أشار إلى الإدراج من غير تصريح بلفظ الإدراج، فقد أخرج حديث جرير بن عبد الله: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها -يعني العصر والفجر- ثم قرأ جرير: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} طه: ١٣. ثم
(١) "المؤتلف والمختلف" ٢/ ٨٩٩.
(٢) "صحيح مسلم" ١/ ١٨٢.